فصل: التّبعيض في الوقف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تأكيد

التّعريف

1- التّأكيد لغةً‏:‏ التّوثيق والإحكام والتّقوية، يقال‏:‏ أكّد العهد إذا وثّقه وأحكمه‏.‏

وفي الاصطلاح هو‏:‏ جعل الشّيء مقرّراً ثابتاً في ذهن المخاطب‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّأسيس‏:‏

2 - التّأسيس عبارة عن إفادة معنًى جديد لم يكن حاصلاً قبله، فالتّأسيس على هذا في عرف الفقهاء خير من التّأكيد، لأنّ حمل الكلام على الإفادة خير من حمله على الإعادة‏.‏ وإذا دار اللّفظ بينهما تعيّن حمله على التّأسيس، ولذا لو قال شخص لزوجته‏:‏ أنت طالق أنت طالق ولم ينو شيئاً، فالأصحّ الحمل على الاستئناف ‏(‏أي التّأسيس‏)‏ لا التّأكيد‏.‏ فإن قال‏:‏ أردت التّأكيد بذلك صدّق‏.‏

وعند الحنفيّة - كما نقله ابن نجيم عن الزّيلعيّ - صدّق ديانةً لا قضاءً‏.‏

الحكم الإجمالي

3 - التّأكيد جائز في الأحكام لتقويتها وترجيحها على غيرها، حيث يرجّح المؤكّد على غيره من الأحكام غير المؤكّدة، لاحتمال تأويل غير المؤكّد بخلاف المؤكّد، فإنّه لا يحتمله، كما يمنع نقضها إلاّ بشرطه‏.‏ من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تَنْقُضُوا الأَيمانَ بعد توكيدها‏}‏‏.‏

تأكيد الأقوال

4 - تؤكّد الأقوال فترجّح على غيرها، ومن ذلك تأكيد الشّهادات، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فشهادةُ أحدهم أربعُ شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين‏}‏‏.‏

وقد يأخذ التّأكيد أحكاماً معيّنةً، كتأكيد الطّلاق، فإنّه يضمّ المتفرّق منه ليجعل حكمه واحداً، وينظر تفصيله في الطّلاق، وفي مصطلح ‏(‏أيمان‏)‏‏.‏

التّأكيد بالأفعال

5 - من ذلك تأكيد الثّمن في عقد البيع بقبض المبيع، لأنّ المبيع ربّما هلك في يد البائع قبل التّسليم فيسقط الثّمن، وتأكيد المهر بالدّخول، وتأكيد الأحكام بالتّنفيذ‏.‏

وتفصيل ما أجمل في هذا البحث ينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

تأميم

انظر‏:‏ مصادرة‏.‏

تأمين

انظر‏:‏ أمين، مستأمن‏.‏

تأمين الدّعاء

انظر‏:‏ آمين‏.‏

تأويل

التّعريف

1 - التّأويل‏:‏ مصدر أوّل، وأصل الفعل‏:‏ آل الشّيء يئول أولاً‏:‏ إذا رجع، تقول‏:‏ آل الأمر إلى كذا، أي رجع إليه‏.‏ ومعناه‏:‏ تفسير ما يئول إليه الشّيء، ومصيره‏.‏

وفي اصطلاح الأصوليّين، التّأويل‏:‏ صرف اللّفظ عن المعنى الظّاهر إلى معنًى مرجوح، لاعتضاده بدليل يصير به أغلب على الظّنّ من المعنى الظّاهر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّفسير‏:‏

2 - التّفسير لغةً‏:‏ البيان، وكشف المراد من اللّفظ المشكل‏.‏

وفي الشّرع‏:‏ توضيح معنى الآية، وشأنها، وقصّتها، والسّبب الّذي نزلت فيه بلفظ يدلّ عليه دلالةً ظاهرةً‏.‏ وقريب من ذلك أنّ التّأويل‏:‏ بيان أحد محتملات اللّفظ، والتّفسير‏:‏ بيان مراد المتكلّم‏.‏ وقال ابن الأعرابيّ وأبو عبيدة وطائفة‏:‏ التّفسير والتّأويل بمعنًى واحد‏.‏

وقال الرّاغب‏:‏ التّفسير أعمّ من التّأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التّأويل في المعاني والجمل‏.‏ وكثيراً ما يستعمل في الكتب الإلهيّة، والتّفسير يستعمل فيها وفي غيرها‏.‏ وقال غيره‏:‏ التّفسير‏:‏ بيان لفظ لا يحتمل إلاّ وجهاً واحداً‏.‏ والتّأويل‏:‏ توجيه لفظ متوجّه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلّة‏.‏

وقال أبو طالب الثّعلبيّ التّفسير‏:‏ بيان وضع اللّفظ إمّا حقيقةً، أو مجازاً، كتفسير ‏(‏الصّراط‏)‏ بالطّريق ‏(‏والصّيّب‏)‏ بالمطر‏.‏ والتّأويل‏:‏ تفسير باطن اللّفظ، مأخوذ من الأول وهو الرّجوع لعاقبة الأمر‏.‏ فالتّأويل‏:‏ إخبار عن حقيقة المراد، والتّفسير إخبار عن دليل المراد، لأنّ اللّفظ يكشف عن المراد، والكاشف دليل‏.‏

ب - البيان‏:‏

3 - البيان لغةً‏:‏ الإظهار والإيضاح والانكشاف، وما يتبيّن به الشّيء من الدّلالة وغيرها‏.‏ وأمّا في الاصطلاح‏:‏ فهو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب‏.‏

والفرق بين التّأويل والبيان‏:‏ أنّ التّأويل ما يذكر في كلام لا يفهم منه معنًى محصّل في أوّل وهلة ليفهم المعنى المراد‏.‏ والبيان ما يذكر فيما يفهم ذلك بنوع خفاء بالنّسبة إلى البعض‏.‏

الحكم الإجمالي

يختلف الحكم الإجماليّ باختلاف ما يدخله التّأويل، وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

4 - أوّلاً‏:‏ بالنّسبة للنّصوص المتعلّقة بالعقائد، وأصول الدّيانات، وصفات الباري عزّ وجلّ، فقد اختلف العلماء في هذا القسم على ثلاثة مذاهب‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّه لا مدخل للتّأويل فيها، بل تجري على ظاهرها، ولا يؤوّل شيء منها‏.‏

وهذا قول المشبّهة‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ لها تأويلاً، ولكنّا نمسك عنه، مع تنزيه اعتقادنا عن التّشبيه والتّعطيل، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يعلم تأويلَه إلاّ اللّه‏}‏، قال ابن برهان‏:‏ وهذا قول السّلف‏.‏ وقال الشّوكانيّ‏:‏ وهذا هو الطّريق الواضح والمنهج المصحوب بالسّلامة عن الوقوع في مهاوي التّأويل، وكفى بالسّلف الصّالح قدوةً لمن أراد الاقتداء، وأسوةً لمن أحبّ التّأسّي، على تقدير عدم ورود الدّليل القاضي بالمنع من ذلك، فكيف وهو قائم موجود في الكتاب والسّنّة‏.‏

والمذهب الثّالث‏:‏ أنّها مؤوّلة‏.‏ قال ابن برهان‏:‏ والأوّل من هذه المذاهب باطل، والآخران منقولان عن الصّحابة، ونقل هذا المذهب الثّالث عن عليّ وابن مسعود وابن عبّاس وأمّ سلمة‏.‏ وقال ابن دقيق العيد في الألفاظ المشكلة‏:‏ إنّها حقّ وصدق، وعلى الوجه الّذي أراده اللّه، ومن أوّل شيئاً منها، فإن كان تأويله قريباً على ما يقتضيه لسان العرب ويفهمونه في مخاطباتهم لم ننكر عليه ولم نبدّعه، وإن كان تأويله بعيداً توقّفنا عليه واستبعدناه ورجعنا إلى القاعدة في الإيمان بمعناه مع التّنزيه‏.‏

وفي إعلام الموقّعين، قال الجوينيّ‏:‏ ذهب أئمّة السّلف إلى الانكفاف عن التّأويل، وإجراء الظّواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرّبّ تعالى، والّذي نرتضيه رأياً وندين اللّه به عقد اتّباع سلف الأمّة، فحقّ على ذي الدّين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدّثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرّبّ تعالى‏.‏

5 - ثانياً‏:‏ النّصوص المتعلّقة بالفروع، وهذه لا خلاف في دخول التّأويل فيها‏.‏

والتّأويل في النّصوص المتعلّقة بها باب من أبواب الاستنباط، وهو قد يكون تأويلاً صحيحاً، وقد يكون تأويلاً فاسداً‏.‏ فيكون صحيحاً إذا كان مستوفياً لشروطه، من الموافقة لوضع اللّغة، أو عرف الاستعمال، ومن قيام الدّليل على أنّ المراد بذلك اللّفظ هو المعنى الّذي حمل عليه، ومن كون المتأوّل أهلاً لذلك‏.‏

ويتّفق العلماء على قبول العمل بالتّأويل الصّحيح مع اختلافهم في طرقه ومواضعه، وما يعتبر قريباً، وما يعتبر بعيداً‏.‏ يقول الآمديّ‏:‏ التّأويل مقبول معمول به إذا تحقّق بشروطه، ولم يزل علماء الأمصار في كلّ عصر من عهد الصّحابة إلى زمننا عاملين به من غير نكير‏.‏ وفي البرهان‏:‏ تأويل الظّاهر على الجملة مسوّغ إذا استجمعت الشّرائط، ولم ينكر أصل التّأويل ذو مذهب، وإنّما الخلاف في التّفاصيل‏.‏

وعلى أيّ حال فهذا يرجع إلى نظر المجتهد في كلّ مسألة، وعليه اتّباع ما أوجبه ظنّه كما يقول الآمديّ‏.‏ ويقول الغزاليّ‏:‏ مهما كان الاحتمال قريباً، وكان الدّليل أيضاً قريباً، وجب على المجتهد التّرجيح، والمصير إلى ما يغلب على ظنّه، فليس كلّ تأويل مقبولاً بوسيلة كلّ دليل، بل ذلك يختلف ولا يدخل تحت ضبط‏.‏ ويقول ابن قدامة‏:‏ لكلّ مسألة ذوق يجب أن تفرد بنظر خاصّ‏.‏

هذا، وقد ذكرت في كتب الأصول أمثلة للمسائل الفرعيّة الّتي استنبطت أحكامها عن طريق تأويل النّصوص، مع بيان وجهة نظر الّذين نحوا هذا المنحى والّذين عارضوهم‏.‏

أثر التّأويل

6 - للتّأويل أثر ظاهر في المسائل الفرعيّة المستنبطة من النّصوص، إذ هو سبب اختلاف الفقهاء في أحكام هذه المسائل‏.‏

والمعروف عند الفقهاء، أنّ العمل بالمختلف فيه لا ينكر على صاحبه إلاّ أن يكون الخلاف شاذّاً، لكنّ الأفضل مراعاة الخلاف، وذلك بترك ما هو جائز عند من يراه كذلك إذا كان غيره يراه حراماً، وبفعل ما هو مباح إذا كان غيره يراه واجباً‏.‏ وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏اختلاف‏)‏‏.‏ ونذكر هنا بعض الآثار العمليّة للتّأويل من خلال بعض المسائل‏:‏

7 - أوّلاً‏:‏ أمثلة للتّأويل المتّفق على فساده وما يترتّب عليه‏:‏

أ - من المقرّر أنّ كلّ من ثبتت إمامته وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه للنّصوص الدّالّة على ذلك من الكتاب والسّنّة‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على أنّ خروج طائفة على الإمام بتأويل يبيح لهم في نظرهم يعتبر بغياً لفساد تأويلهم‏.‏ ويجب دعوتهم إلى الطّاعة والدّخول في الجماعة وكشف شبههم، فإن لم يستجيبوا وجب قتالهم كما فعل عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه مع الخوارج‏.‏

وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏بغاة‏)‏‏.‏

ب - وجوب الزّكاة أمر ثابت بالكتاب والسّنّة والإجماع، والتّأويل في منع أدائها تأويل فاسد‏.‏ ويجب حمل المانعين على أدائها بالقوّة، وقد فعل ذلك أبو بكر رضي الله تعالى عنه مع مانعي الزّكاة الّذين تأوّلوا قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏خذْ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلِّ عليهم إنَّ صلاتك سَكَنٌ لهم‏}‏ فقالوا‏:‏ إنّ ذلك لا يتأتّى لغير النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يقم دليل على قيام غيره في ذلك مقامه‏.‏ والتّفصيل ينظر في الزّكاة‏.‏

ج - حرمة شرب الخمر ثابتة بالكتاب والسّنّة والإجماع، والتّأويل لاستحلال شربها تأويل فاسد، ويجب توقيع الحدّ على شاربها المتأوّل‏.‏

وقد حدث أنّ قدامة بن مظعون شرب الخمر، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ ما حملك على ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول‏:‏ ‏{‏ليس على الّذين آمَنوا وعملوا الصّالحات جُنَاحٌ فيما طَعِمُوا إذا ما اتّقَوْا وآمنوا وعملوا الصّالحات‏}‏ وإنّي من المهاجرين من أهل بدر وأحد، فطلب عمر من الصّحابة أن يجيبوه، فقال ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ ‏"‏ إنّما أنزلها اللّه تعالى عذراً للماضين لمن شربها قبل أن تحرم، وأنزل‏:‏ ‏{‏إنّما الخمرُ والميسر والأنصابُ والأزلامُ رجْسٌ من عمل الشّيطانِ فاجتنبوه‏}‏ حجّة على النّاس‏.‏ وقال له عمر‏:‏ ‏"‏ إنّك أخطأت التّأويل يا قدامة، إذا اتّقيت اجتنبت ما حرّم اللّه عليك ‏"‏‏.‏

8 - ثانياً‏:‏ تأويل متّفق على قبوله‏:‏

وذلك مثل التّأوّل في اليمين إذا كان الحالف مظلوماً، قال ابن قدامة‏:‏ من حلف فتأوّل في يمينه فله تأويله إذا كان مظلوماً، وإن كان ظالماً لم ينفعه تأويله‏.‏ ولا يخلو حال الحالف المتأوّل من ثلاثة أحوال‏:‏

أحدها‏:‏ أن يكون مظلوماً، مثل من يستحلفه ظالم على شيء لو صدّقه لظلمه، أو ظلم غيره، أو نال مسلماً منه ضرر، فهذا له تأويله‏.‏

ثانيها‏:‏ أن يكون الحالف ظالماً كالّذي يستحلفه الحاكم على حقّ عنده، فهذا تنصرف يمينه إلى ظاهر اللّفظ الّذي عناه المستحلف ولا ينفع الحالف تأويله، ولا نعلم فيه مخالفاً، فإنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يمينك على ما يصدّقك به صاحبك» ولأنّه لو ساغ التّأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين‏.‏

ثالثها‏:‏ ألاّ يكون ظالماً ولا مظلوماً فظاهر كلام أحمد أنّ له تأويله‏.‏ هذا ما ذكره ابن قدامة‏.‏ والمذاهب متّفقة على أنّ المظلوم إذا تأوّل في يمينه فله تأويله‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أيمان‏)‏‏.‏

9 - ثالثاً‏:‏ هناك من التّأويلات ما اعتبره بعض الفقهاء قريباً، فأصبح دليلاً في استنباط الحكم، في حين اعتبره البعض الآخر بعيداً، فلا يصلح دليلاً‏.‏

ومن أمثلة ذلك، وجوب الكفّارة بالأكل أو الجماع عمداً في نهار رمضان عند الحنفيّة والمالكيّة، وبالجماع فقط عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وعلى ذلك فمن رأى هلال رمضان وحده، وردّت شهادته، وجب عليه الصّوم، فإن ظنّ إباحة الفطر لردّ شهادته فأفطر بما يوجب الكفّارة، فعند الشّافعيّة والحنابلة، وفي المشهور عند المالكيّة‏:‏ تجب عليه الكفّارة لانتهاك حرمة الشّهر، أمّا ظنّ الإباحة لردّ الشّهادة فهو تأويل بعيد لمخالفته قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فمن شَهِدَ منكم الشّهرَ فَلْيَصمْه‏}‏، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صوموا لرؤيته» - وعند الحنفيّة وبعض المالكيّة‏:‏ لا كفّارة عليه لمكان الشّبهة، إذ ردّ الشّهادة يعتبر تأويلاً قريباً في ظنّ الإباحة‏.‏

ومثل هذه الاختلافات بين المذاهب، بل بين فقهاء المذهب الواحد كثيرة في المسائل الفرعيّة‏.‏ فالحنفيّة مثلاً لا يوجبون الزّكاة في مال الصّبيّ والمجنون، وينتقض عندهم الوضوء بالقهقهة في الصّلاة، خلافاً لبقيّة المذاهب في المسألتين‏.‏ والمعروف كما سبق أنّه لا ينكر المختلف فيه‏.‏ وتفصيل ما أجمل هنا موطنه الملحق الأصوليّ‏.‏

تابع

انظر‏:‏ تبعيّة‏.‏

تابوت

انظر‏:‏ جنائز‏.‏

تاريخ

انظر‏:‏ تأريخ‏.‏

تاسوعاء

التّعريف

1 - التّاسوعاء‏:‏ هو اليوم التّاسع من شهر المحرّم استدلالاً بالحديث الصّحيح «أنّه صلى الله عليه وسلم صام عاشوراء، فقيل له‏:‏ إنّ اليهود والنّصارى تعظّمه، فقال‏:‏ فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع»‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - عاشوراء‏:‏ وهو العاشر من شهر المحرّم، لما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما «أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء‏:‏ العاشر من المحرّم»‏.‏

وأنّ صومه مستحبّ أو مسنون‏.‏ فعن أبي قتادة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال‏:‏ يكفّر السّنة الماضية والباقية»‏.‏

الحكم الإجمالي

3 - صوم يوم تاسوعاء مسنون، أو مستحبّ، كصوم يوم عاشوراء، فقد روي أنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء، فذكروا أنّ اليهود والنّصارى تصومه‏.‏ فقال صلى الله عليه وسلم إنّه في العام المقبل يصوم التّاسع» إلاّ أنّ صوم يوم عاشوراء آكد في الاستحباب لأنّه يكفّر السّنة الّتي قبله‏.‏ ففي صحيح مسلم ‏"‏ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال «صيام يوم عرفة أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله والسّنة الّتي بعده‏.‏ وصيام يوم عاشوراء أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله»

وفي رواية لمسلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع»‏.‏ قال ابن عبّاس‏:‏ «فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم» وتكفير سنة‏:‏ أي ذنوب سنة من الصّغائر، فإن لم يكن صغائر خفّف من كبائر السّنة، وذلك التّخفيف موكول لفضل اللّه، فإن لم يكن كبائر رفع له درجات‏.‏ وعن عطاء أنّه سمع ابن عبّاس يقول في يوم عاشوراء‏:‏ «خالفوا اليهود وصوموا التّاسع والعاشر»‏.‏

4 - وذكر العلماء في حكمة استحباب صوم يوم تاسوعاء أوجهاً‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّ المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر، وهو مرويّ عن ابن عبّاس، وفي حديث رواه الإمام أحمد بن حنبل بسنده إلى ابن عبّاس قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوماً وبعده يوماً»‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم‏.‏

الثّالث‏:‏ الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط، فيكون التّاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر وللمزيد من التّفصيل في ذلك ر‏:‏ ‏(‏صوم التّطوّع‏)‏‏.‏

تبختر

انظر‏:‏ اختيال‏.‏

تبديل

التّعريف

1 - تبديل الشّيء لغةً‏:‏ تغييره وإن لم يأت ببدله‏.‏ يقال‏:‏ بدّلت الشّيء تبديلاً بمعنى غيّرته تغييراً‏.‏ والأصل في التّبديل‏:‏ تغيير الشّيء عن حاله، وقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏يوم تُبَدَّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسّماواتُ‏}‏ قال الزّجّاج‏:‏ تبديلها واللّه أعلم‏:‏ تسيير جبالها، وتفجير بحارها، وجعلها مستويةً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً‏.‏ وتبديل السّماوات‏:‏ انتشار كواكبها وانفطارها وانشقاقها وتكوير شمسها وخسوف قمرها‏.‏

ومعناه في الاصطلاح، كمعناه في اللّغة، ومنه النّسخ‏:‏ وهو رفع حكم شرعيّ بدليل شرعيّ متأخّر‏.‏ ويطلق التّبديل على الاستبدال في الوقف بمعنى‏:‏ بيع الموقوف عقاراً كان أو منقولاً، وشراء عين بمال البدل لتكون موقوفةً مكان العين الّتي بيعت‏.‏ أو مقايضة عين الوقف بعين أخرى‏.‏ ويدلّ كلام الحنفيّة على أنّ بيان التّغيير مثل تقييد المطلق وتخصيص العام، وبيان التّبديل مثل النّسخ أي رفع الحكم الثّابت أوّلاً بنصّ متأخّر‏.‏

الحكم الإجمالي

للتّبديل أحكام تعتريه، وهي تختلف باختلاف مواطنه‏:‏

2 - التّبديل في الوقف‏:‏ أجاز الحنفيّة للواقف اشتراط الإدخال والإخراج في وقفه، كما أجاز له متأخّروهم ما عرف بالشّروط العشرة‏.‏ وهي الإعطاء، والحرمان، والإدخال، والإخراج، والزّيادة، والنّقصان، والتّغيير، والإبدال، والاستبدال، والبدل أو التّبادل‏.‏ وخالفهم الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في ذلك‏.‏

فاعتبر الشّافعيّة اشتراط الواقف الرّجوع متى شاء، أو الحرمان، أو تحويل الحقّ إلى غير الموقوف عليه متى شاء اشتراطاً فاسداً، وأجازوا له التّغيير إن كان قدر المصلحة ولم يجزه الحنابلة والمالكيّة، لأنّه شرط ينافي مقتضى الوقف‏.‏

وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى مصطلح ‏(‏وقف‏)‏ شرط الواقف‏.‏

التّبديل في البيع

ومن التّبديل البيع، لأنّه تبديل متقوّم بمتقوّم‏.‏ ولا بدّ فيه من مراعاة الشّروط الشّرعيّة ومن ذلك‏:‏

أ - التّبديل في الصّرف‏:‏

3 - وهو بيع جنس الأثمان بعضه ببعض، ويستوي في ذلك مضروبها ومصوغها وتبرها‏.‏ فإن باع فضّةً بفضّة أو ذهباً بذهب، جاز متى كان وزناً بوزن ويداً بيد، والأصل فيه ما رواه عبادة بن الصّامت رضي الله عنه ‏"‏ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة والتّمر بالتّمر والبرّ بالبرّ والشّعير بالشّعير والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد» ولأنّهما جنسان فجاز التّفاضل فيهما، كما لو تباعدت منافعهما‏.‏

ب - تبديل أحد العوضين بعد تعيّنه في العقد‏:‏

4 - إذا تعيّن أحد العوضين في العقد فلا يجوز تبديله، ومن ذلك المبيع، فإنّه يتعيّن بالعقد، أمّا الثّمن فلا يتعيّن بالتّعيين، إلاّ في مواطن منها‏:‏ الصّرف والسّلم‏.‏

كما تتعيّن الأثمان في الإيداع، فلا يجوز تبديلها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تعيين‏)‏ وفي ‏(‏الصّرف، والسّلم‏)‏‏.‏

تبديل الدّين

5 - إن كان التّبديل من دين الإسلام إلى غيره، وهو المعروف بالرّدّة، فإنّه لا يقرّ عليه اتّفاقاً، وتترتّب على ذلك أحكام كثيرة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ردّة‏)‏‏.‏

أمّا إن كان تبديل الدّين من دين غير الإسلام إلى دين آخر غير الإسلام أيضاً، كما لو تهوّد نصرانيّ، أو تنصّر يهوديّ، فقد اختلف الفقهاء في إقراره على ذلك، فذهب الحنفيّة والمالكيّة، وهو غير الأظهر عند الشّافعيّة، وروايةً عن أحمد إلى أنّه يقرّ على ما انتقل إليه، لأنّ الكفر كلّه ملّة واحدة‏.‏

والأظهر عند الشّافعيّة، وهو مذهب الحنابلة‏:‏ أنّه لا يقرّ على ذلك، لأنّه أحدث ديناً باطلاً بعد اعترافه ببطلانه، فلا يقرّ عليه، كما لو ارتدّ المسلم‏.‏ فإن كانت امرأةً لم تحلّ لمسلم تفريعاً على أنّه لا يقرّ، فإن كانت زوجةً لمسلم فتهوّدت بعد أن كانت نصرانيّةً فهي كالمرتدّة‏.‏ فإن كان التّهوّد أو التّنصّر قبل الدّخول تنجّزت الفرقة، أو بعده توقّفت على انقضاء العدّة، ولا يقبل منها إلاّ الإسلام، لأنّها أقرّت ببطلان ما انتقلت عنه وكانت مقرّةً ببطلان المنتقل إليه‏.‏ ولو انتقل يهوديّ أو نصرانيّ إلى دين غير كتابيّ لم يقرّ، وفيما يطلب منه الرّجوع إليه عند الاستتابة قولان، أحدهما‏:‏ الإسلام فقط، والثّاني هو أو دينه الأوّل، وفي قول ثالث هما أو الدّين المساوي لدينه السّابق، فإن كانت امرأةً تحت مسلم تنجّزت الفرقة قبل الدّخول، وتوقّفت بعده على انقضاء العدّة‏.‏

ولو تهوّد وثنيّ أو تنصّر لم يقرّ لانتقاله عمّا لا يقرّ عليه إلى باطل، والباطل لا يفيد فضيلة الإقرار، ويتعيّن الإسلام، كمسلم ارتدّ، فإن أبى قتل‏.‏

تبديل الشّهادة في اللّعان

6 - لو أبدل أحد المتلاعنين لفظة أشهد بأقسم، أو أحلف، أو أولي، لم يعتدّ به، لأنّ اللّعان يقصد فيه التّغليظ، ولفظ الشّهادة أبلغ فيه، ولو أبدل لفظة اللّعنة بالإبعاد، أو أبدلها ‏(‏أي لفظة اللّعنة‏)‏ بالغضب لم يعتدّ به، أو أبدلت المرأة لفظة الغضب بالسّخط، أو قدّمت الغضب فيما قبل الخامسة لم يعتدّ به، أو أبدلته أي الغضب باللّعنة أو قدّم الرّجل اللّعنة فيما قبل الخامسة لم يعتدّ به لمخالفته المنصوص‏.‏

والأصل فيه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والّذين يَرْمون أزواجَهم ولم يكن لهم شُهداء إلاّ أنفسُهم فشهادةُ أحدِهم أربعُ شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين، والخامسة أنَّ لعنةَ اللّه عليه إنْ كان من الكاذبين، ويَدْرَأُ عنها العذابَ أن تشهدَ أربعَ شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين، والخامسة أنَّ غضبَ اللّه عليها إنْ كان من الصّادقين‏}‏‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏لعان‏)‏‏.‏

تبديل الزّكاة

7 - ذهب الجمهور إلى عدم جواز تبديل الزّكاة بدفع قيمتها بدلاً من أعيانها، وذهب الحنفيّة إلى جوازه، إذ دفع القيمة عندهم أفضل من دفع العين، لأنّ العلّة في أفضليّة القيمة كونها أعون على دفع حاجة الفقير، لاحتمال أنّه يحتاج غير الحنطة مثلاً من ثياب ونحوها، بخلاف دفع العروض، وهذا في السّعة، أمّا في الشّدّة فدفع العين أفضل‏.‏

وتفصيل ذلك يرجع إليه في ‏(‏زكاة الفطر‏)‏‏.‏

تبذّل

التّعريف

1 - للتّبذّل في اللّغة معان‏:‏ منها‏:‏ ترك التّزيّن، والتّهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التّواضع‏.‏ ومنه حديث سلمان‏:‏ «فرأى أمّ الدّرداء متبذّلةً» وفي رواية «مبتذلةً»‏.‏ والمبذل والمبذلة‏:‏ الثّوب الخلق‏.‏ والمتبذّل‏:‏ لابسه‏.‏ وفي حديث الاستسقاء «فخرج متبذّلاً متخضّعاً»، وفي مختار الصّحاح‏.‏ البِذلة والمِبذلة بكسر أوّلهما‏:‏ ما يمتهن من الثّياب‏.‏ وابتذال الثّوب وغيره‏:‏ امتهانه‏.‏ ومن معاني التّبذّل أيضاً‏:‏ ترك التّصاون‏.‏

والتّبذّل في الاصطلاح‏:‏ لبس ثياب البذلة‏.‏ والبذلة‏:‏ المهنة‏.‏ وثياب البذلة هي الّتي تلبس في حال الشّغل، ومباشرة الخدمة، وتصرّف الإنسان في بيته‏.‏

وهو بهذا لا يخرج في معناه الاصطلاحيّ عمّا ذكر له من معان لغويّة‏.‏

حكمه الإجمالي

2 - التّبذّل بمعنى ترك التّزيّن‏.‏ تارةً يكون واجباً، وتارةً يكون مسنوناً‏.‏ وتارةً يكون مكروهاً‏.‏ وتارةً يكون مباحاً، وهو الأصل‏.‏

3 - فيكون واجباً‏:‏ في الإحداد‏.‏ وهو ترك الزّينة ونحوها للمعتدّة من الموت أو الطّلاق البائن‏.‏ ولا خلاف بين عامّة الفقهاء في وجوبه على المتوفّى عنها زوجها، والأصل فيه قول اللّه تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏والّذين يُتوفّون منكم ويَذَرون أزواجاً يَتَرَبَّصْنَ بأنفسهنّ أربعةَ أشهرٍ وعشراً‏}‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يَحِلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث إلاّ على زوج أربعةَ أشهر وعشراً»‏.‏

وإحدادها يكون بتجنّب الزّينة، والطّيب، ولبس الحليّ، والملوّن والمطرّز من الثّياب للتّزيّن، والكحل والادّهان، وكلّ ما من شأنه أن تعتبر معه باستعماله متزيّنةً ما لم تدع إلى ذلك ضرورة، فتقدّر حينئذ بقدرها، كالكحل مثلاً للرّمد، فإنّه يرخّص لها باستعماله ليلاً وتمسحه نهاراً، لما روى أبو داود «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل على أمّ سلمة وهي حادّة على أبي سلمة وقد جعلت في عينها صبراً، فقال‏:‏ ما هذا يا أمّ سلمة‏؟‏ فقالت‏:‏ إنّما هو صبر يا رسول اللّه ليس فيه طيب، قال‏:‏ إنّه يشبّ الوجه، فلا تجعليه إلاّ باللّيل، وتنزعينه بالنّهار»‏.‏ وحديث أمّ عطيّة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ «كنّا ننهى أن نحدّ على ميّت فوق ثلاث، إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تكتحل ولا تتطيّب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلاّ ثوب عصب، وقد رخّص لنا عند الطّهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار»‏.‏

والمطلّقة طلاقاً بائناً كالمتوفّى عنها زوجها عند الحنفيّة، فيجب عليها تجنّب ما تتجنّبه الحادّة، إظهاراً للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح‏.‏ وانظر للتّفصيل مصطلح ‏(‏إحداد‏)‏‏.‏

4 - ويكون التّبذّل مسنوناً في الاستسقاء‏.‏ وهو طلب العباد السّقيا من اللّه تعالى عند حاجتهم إليها‏.‏ فيخرجون إلى الصّحراء في ثياب بذلة خاشعين متضرّعين وجلين ناكسين رءوسَهم، إذ ذلك أقرب إلى الإجابة‏.‏ فيصلّون ركعتين، ويكثرون من الدّعاء والاستغفار‏.‏ قال ابن عبّاس‏:‏ «خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذّلاً متواضعاً متخشّعاً متضرّعاً حتّى أتى المصلّى»‏.‏ وانظر للتّفصيل مصطلح ‏(‏استسقاء‏)‏‏.‏

5- ويكون التّبذّل مكروهاً‏:‏ في الجمعة والعيدين، لأنّ التّزيّن مسنون لهما باتّفاق، فيغتسل ويلبس أحسن ثيابه، والجديد منها أفضل، وأولاها البياض، ويتطيّب‏.‏ والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة، منها‏:‏ حديث «من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومسّ من طيب إن كان عنده، ثمّ أتى الجمعة، فلم يتخطّ أعناق النّاس، ثمّ صلّى ما كتب له، ثمّ أنصت إذا خرج إمامه حتّى يفرغ من صلاته، كانت كفّارةً لما بينها وبين جمعته الّتي قبلها» وما روي عن عبد اللّه بن سلام رضي الله عنه «أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة يقول‏:‏ ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعته سوى ثوبي مهنته»‏.‏ هذا بالنّسبة للرّجال‏.‏ أمّا النّساء فإنّهنّ إذا أردن حضور الجمعة والعيدين يتنظّفن بالماء ولا يتطيّبن، ولا يلبسن الشّهرة من الثّياب، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه، وليخرجن تفلات» أي غير متعطّرات، لأنّهنّ إذا تطيّبن ولبسن الشّهرة من الثّياب دعا ذلك إلى الفساد والافتتان بهنّ‏.‏ فهذه الأحاديث قد دلّت على كراهة التّبذّل للرّجال في الجمعة والعيدين، وعلى استحبابه بالنّسبة للنّساء فيهما‏.‏

وانظر‏:‏ ‏(‏جمعةً وعيدين‏)‏‏.‏

ويكره التّبذّل في مجامع النّاس ولقاء الوفود‏.‏ وانظر لتفصيل ذلك مصطلح‏:‏ ‏(‏تزيّن‏)‏‏.‏ ويكره تبذّل المرأة لزوجها والرّجل لزوجته، ذلك لأنّه يستحبّ لكلّ منهما أن يتزيّن للآخر عند عامّة الفقهاء، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعاشروهنّ بالمعروف‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولهنّ مثلُ الّذي عليهنّ بالمعروف‏}‏ فالمعاشرة بالمعروف حقّ لكلّ منهما على الآخر، ومن المعروف أن يتزيّن كلّ منهما لصاحبه، فكما يحبّ الزّوج أن تتزيّن له زوجته‏.‏ فكذلك هي تحبّ أن يتزيّن لها‏.‏ قال أبو زيد‏:‏‏"‏ تتّقون اللّه فيهنّ كما عليهنّ أن يتّقين اللّه فيكم ‏"‏‏.‏

وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ ‏"‏ إنّي لأحبّ أن أتزيّن للمرأة كما أحبّ أن تتزيّن لي، لأنّ اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف‏}‏‏.‏

وكان محمّد بن الحسن يلبس الثّياب النّفيسة ويقول‏:‏ إنّ لي نساءً وجواري، فأزيّن نفسي كي لا ينظرن إلى غيري‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ يعجبني أن تتزيّن لي امرأتي، كما يعجبها أن أتزيّن لها‏.‏ وانظر للتّفصيل مصطلح ‏(‏زينة‏)‏‏.‏

كما يكره التّبذّل في الصّلاة عدا ما كان منه في صلاة الاستسقاء على نحو ما سبق بيانه، سواء أكان المصلّي فرداً أم في جماعة، إماماً كان أم مأموماً، كأن يلبس المصلّي ثوباً يزري به‏.‏ وذلك لأنّ مريد الصّلاة يعدّ نفسه لمناجاة ربّه، ولذا يستحبّ له أن يرتدي أكمل ثيابه وأحسنها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا بَني آدمَ خذوا زينَتكم عندَ كلّ مسجد‏}‏ وهذه الآية وإن كان نزولها فيمن كان يطوف بالبيت عرياناً إلاّ أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب، والمراد ما يستر العورة عند الصّلاة بما لا يصف البشرة ويخلّ بالصّلاة، والرّجل والمرأة في ذلك سواء‏.‏

6- ولكون التّبذّل مباحاً في غير المواضع المذكورة، كمن يلبس ثياب البذلة في عمله أو شؤونه الخاصّة‏.‏

7- أمّا التّبذّل بمعنى عدم التّصاون، فهو مذموم شرعاً لإخلاله بالمروءة، ولأنّه يؤدّي إلى عدم قبول الشّهادة‏.‏

وهو حرام إن كان عدم التّصاون عن المعاصي وتفصيله في ‏(‏الشّهادة‏)‏‏.‏

تبذير

انظر‏:‏ إسراف‏.‏

تبر

التّعريف

1 - التّبر لغةً‏:‏ الذّهب كلّه‏.‏ وقال ابن الأعرابيّ‏:‏ التّبر‏:‏ الفتات من الذّهب والفضّة قبل أن يصاغا، فإذا صيغا، فهما ذهب وفضّة‏.‏ وقال الجوهريّ‏:‏ التّبر‏:‏ ما كان من الذّهب غير مضروب‏.‏ فإذا ضرب دنانير فهو عين، ولا يقال‏:‏ تبر إلاّ للذّهب، وبعضهم يقوله للفضّة أيضاً‏.‏ وقيل‏:‏ يطلق التّبر على غير الذّهب والفضّة‏.‏ كالنّحاس والحديد والرّصاص‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ اسم للذّهب والفضّة قبل ضربهما، أو للأوّل فقط، والمراد الأعمّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالتّبر

الرّبا في التّبر

2 - أجمع العلماء على أنّ بيع الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل يداً بيد، لما رواه مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تبيعوا الذّهب بالذّهب إلاّ مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الفضّة بالفضّة إلاّ مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها شيئاً غائباً بناجز» وخبر‏:‏ «الذّهب بالذّهب وزناً بوزن، ومثلاً بمثل، يداً بيد، والفضّة بالفضّة وزناً بوزن، مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو رباً»‏.‏

كما أجمعوا على أنّ مسكوكه، وتبره، ومصوغه سواء في منع بيع بعضه ببعض متفاضلاً، لما رواه عبادة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال «الذّهب بالذّهب تبرها وعينها، والفضّة بالفضّة تبرها وعينها، والبرّ بالبرّ مدي بمدي، والشّعير بالشّعير مدي بمدي، والتّمر بالتّمر مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى»‏.‏ ولا بأس ببيع الذّهب بالفضّة، والفضّة أكثرهما، يداً بيد، وأمّا نسيئةً فلا، ولا بأس ببيع البرّ بالشّعير، والشّعير أكثرهما، يداً بيد، وأمّا نسيئةً فلا‏.‏ ولعموم الأحاديث الواردة بهذا الخصوص‏.‏

الزّكاة في تبر الذّهب والفضّة

3 - الذّهب والفضّة إن كان كلّ منهما نقوداً أو تبراً ففيه الزّكاة، إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏زكاة‏:‏ زكاة الذّهب والفضّة‏)‏‏.‏

جعل التّبر رأسمال في الشّركات

4 - يجوز أن يكون التّبر رأس مال في شركة المفاوضة إن تعامل النّاس به - أي باستعماله ثمناً - فينزّل التّعامل حينئذ منزلة الضّرب، فيكون ثمناً، ويصلح أن يكون رأس مال، وهذا عند بعض الفقهاء الحنفيّة‏.‏ وفي الجامع الصّغير‏:‏ لا تكون المفاوضة بمثاقيل ذهب أو فضّة، ومراده التّبر، فعلى هذه الرّواية التّبر سلعة تتعيّن بالتّعيين، فلا تصلح رأس مال في المضاربات والشّركات، ونحوه عند الشّافعيّة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا تجوز الشّركة بتبر ومسكوك ولو تساويا قدراً إن كثر فضل السّكّة، فإن ساوتها جودة التّبر فقولان كما في الشّامل‏.‏

التّبر المستخرج من الأرض

5 - التّبر المستخرج من الأرض جعل فيه بعض العلماء الخمس لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «في الرّكاز الخمس» وذهب آخرون إلى أنّ فيه ربع العشر ‏(‏ر‏:‏ ركاز‏)‏‏.‏

مواطن البحث

6 - فصّل الفقهاء أحكام التّبر في ‏(‏رباً، وصرف، وشركة، وزكاة، بيع، ومضاربة، وركاز‏)‏ ‏"‏ كنز ‏"‏‏.‏

تبرّؤ

انظر‏:‏ براءة‏.‏

تبرّج

التّعريف

1 - التّبرّج لغةً‏:‏ مصدر تبرّج، يقال تبرّجت المرأة‏:‏ إذا أبرزت محاسنها للرّجال‏.‏

وفي الحديث «كان يكره عشر خلال، منها‏:‏ التّبرّج بالزّينة لغير محلّها» والتّبرّج‏:‏ إظهار الزّينة للرّجال الأجانب وهو المذموم‏.‏ أمّا للزّوج فلا، وهو معنى قوله لغير محلّها‏.‏

وهو في معناه الشّرعيّ لا يخرج عن هذا‏.‏ قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏غيرَ مُتبرِّجات بِزِينَةٍ‏}‏ أي غير مظهرات ولا متعرّضات بالزّينة لينظر إليهنّ، فإنّ ذلك من أقبح الأشياء وأبعدها عن الحقّ‏.‏ وأصل التّبرّج‏:‏ التّكشّف والظّهور للعيون‏.‏ وقال في تفسير قوله تعالى ‏{‏ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهليّةِ الأُولى‏}‏ حقيقة التّبرّج‏:‏ إظهار ما ستره أحسن‏.‏

قيل ما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام‏:‏ كانت المرأة تلبس الدّرع من اللّؤلؤ غير مخيط الجانبين، وتلبس الثّياب الرّقاق ولا تواري بدنها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّزيّن‏:‏

2 - التّزيّن‏:‏ اتّخاذ الزّينة، وهي ما يستعمل استجلاباً لحسن المنظر من الحليّ وغيره، ومنه قوله تعالى ‏{‏حتّى إذا أخذتِ الأرضُ زُخرفَها وازَّيَّنَتْ‏}‏ أي حسنت وبهجت بالنّبات‏.‏ فأمّا التّبرّج‏:‏ فهو إظهار تلك الزّينة لمن لا يحلّ له النّظر إليها‏.‏

ما يعتبر إظهاره تبرّجاً‏:‏

3 - التّبرّج‏:‏ إظهار الزّينة والمحاسن، سواء أكانت فيما يعتبر عورةً من البدن‏:‏ كعنق المرأة وصدرها وشعرها، وما على ذلك من الزّينة‏.‏ أو كان فيما لا يعتبر عورةً‏:‏ كالوجه والكفّين، إلاّ ما ورد الإذن به شرعاً كالكحل، والخاتم، والسّوار، على ما روي عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يُبْدين زينَتَهنّ إلاّ ما ظهرَ منها‏}‏ قال‏:‏ ما ظهر منها‏:‏ الكحل، والخاتم والسّوار‏.‏ ولأنّها تحتاج إلى كشف ذلك في المعاملات فكان فيه ضرورة، على أنّ في اعتبار الوجه والكفّين من العورة خلافاً ينظر في مصطلح ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ للتّبرّج

تبرّج المرأة‏:‏

4 - تبرّج المرأة على أشكاله المختلفة، سواء ما كان منه بإظهار الزّينة والمحاسن لغير من لا يحلّ له نظر ذلك، أو ما كان بالتّبختر والاختيال، والتّثنّي في المشي، ولبس الرّقيق من الثّياب الّذي يصف بشرتها، ويبيّن مقاطع جسمها، إلى غير ذلك - ممّا يبدو منها مثيراً للغرائز ومحرّكاً للشّهوة - حرام إجماعاً لغير الزّوج، لقول اللّه تبارك وتعالى ‏{‏وقَرْنَ في بيوتِكنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تبرّجَ الجاهليّة الأُولى‏}‏ وقوله ‏{‏ولا يَضْرِبْنَ بأرجُلِهنّ لِيُعْلمَ ما يُخْفِين من زينتهنّ‏}‏ وذلك أنّ النّساء في الجاهليّة الأولى كنّ يخرجن في أجود زينتهنّ ويمشين مشيةً من الدّلّال والتّبختر، فيكون ذلك فتنةً لمن ينظر إليهنّ‏.‏ حتّى القواعد من النّساء، وهنّ العجائز ونحوهنّ ممّن لا رغبة للرّجال فيهنّ، نزل فيهنّ قوله تعالى ‏{‏والقواعدُ من النّساء اللّاتي لا يَرْجون نكاحاً فليس عليهنَّ جُناحٌ أن يَضَعْنَ ثيابَهنّ غيرَ متبَرِّجات بزينةٍ‏}‏ فأباح لهنّ وضع الخمار، وكشف الرّأس ونحوه، ونهاهنّ مع ذلك عن التّبرّج‏.‏

تبرّج الرّجل‏:‏

تبرّج الرّجل إمّا بإظهار عورته أو تزيّنه، والتّزيّن إمّا أن يكون موافقاً للشّريعة، أو مخالفاً لها‏.‏

أ - التّبرّج بإظهار العورة‏:‏

5 - يحرم على الرّجل كشف عورته أمام الرّجال والنّساء غير زوجته، أو لحاجة التّداوي والختان، على خلاف بين الفقهاء في تحديد العورة‏.‏ ينظر إليه في مصطلح ‏(‏عورة‏)‏‏.‏ ويجوز للمرأة أن تنظر من الرّجل إلى ما ينظر الرّجل إليه من الرّجل إذا أمنت الشّهوة، لاستواء الرّجل والمرأة في النّظر إلى ما ليس بعورة، وذهب بعض الفقهاء إلى التّحريم‏.‏ كما يكره نظر الرّجل إلى فرجه عبثاً من غير حاجة‏.‏

ب - التّبرّج بإظهار الزّينة‏:‏

6 - إظهار الزّينة من الرّجل قد يكون موافقاً للشّريعة، وقد يكون مخالفاً لها‏.‏

فالتّزيّن المخالف للشّريعة، كالأخذ من أطراف الحاجب تشبّهاً بالنّساء، وكوضع المساحيق على الوجه تشبّهاً بالنّساء، وكالتّزيّن بلبس الحرير والذّهب والتّختّم به وما إلى ذلك، وهناك صور من التّزيّن اختلف في حكمها‏.‏ تنظر في ‏(‏اختضاب‏)‏ وفي ‏(‏لحية وتزيّن‏)‏‏.‏ وأمّا التّزيّن الّذي أباحته الشّريعة، ومنه تزيّن حضّت عليه‏:‏ كتزيّن الزّوج لزوجته كتزيّنها له، وتسريح الشّعر أو حلقه، لكن يكره القزع، ويسنّ تغيير الشّيب إلى الحمرة والصّفرة‏.‏ ويجوز التّزيّن بالتّختّم بالفضّة، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اتّخذ خاتماً من الفضّة»، إلاّ أنّ الفقهاء اختلفوا في مقدار الخاتم وينظر في مصطلح ‏(‏تختّم‏)‏‏.‏

تبرّج الذّمّيّة‏:‏

7 - الذّمّيّة الحرّة عورتها كعورة المسلمة الحرّة، حيث لم يفرّق الفقهاء في إطلاقهم للحرّة بين المسلمة وغيرها، كما أنّهم لم يفرّقوا بين عورة الرّجل المسلم والكافر، وهذا يقتضي تحريم النّظر إلى عورة الذّمّيّ رجلاً كان أو أنثى، وعلى ذلك يجب على الذّمّيّة ستر عورتها والامتناع عن التّبرّج المثير للفتنة، درءاً للفساد ومحافظةً على الآداب العامّة‏.‏

من يطلب منه منع التّبرّج‏؟‏

8 - على الأب أن يمنع بنته الصّغيرة عن التّبرّج إذا كانت تشتهى، حيث لا يباح مسّها والنّظر إليها والحالة هذه لخوف الفتنة، وكذلك عليه ذلك بالنّسبة لبنته الّتي لم تتزوّج متى كانت في ولايته، إذ ينبغي له أن يأمرها بجميع المأمورات، وينهاها عن جميع المنهيّات، ومثل الأب في ذلك وليّها عند عدمه‏.‏ وعلى الزّوج منع زوجته عنه، لأنّه معصية، فله تأديبها وضربها ضرباً غير مبرّح في كلّ معصية لا حدّ فيه، إذا لم تستجب لنصحه ووعظه، متى كان متمشّياً مع المنهج الشّرعيّ‏.‏ وعلى وليّ الأمر أن ينهى عن التّبرّج المحرّم، وله أن يعاقب عليه، وعقوبته التّعزير، والمراد به التّأديب، ويكون بالضّرب أو بالحبس أو بالكلام العنيف، أو ليس فيه تقدير، بل هو مفوّض إلى رأي من يقوم به وفق مقتضيات الأحوال الّتي يطلب فيها التّعزير‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏تعزير‏)‏‏.‏

تبرّز

انظر‏:‏ قضاء الحاجة‏.‏

تبرّع

التّعريف

1 - التّبرّع لغةً‏:‏ مأخوذ من برع الرّجل وبرع بالضّمّ أيضاً براعةً، أي‏:‏ فاق أصحابه في العلم وغيره فهو بارع، وفعلت كذا متبرّعاً أي‏:‏ متطوّعاً، وتبرّع بالأمر‏:‏ فعله غير طالب عوضاً‏.‏

وأمّا في الاصطلاح، فلم يضع الفقهاء تعريفاً للتّبرّع، وإنّما عرّفوا أنواعه كالوصيّة والوقف والهبة وغيرها، وكلّ تعريف لنوع من هذه الأنواع يحدّد ماهيّته فقط، ومع هذا فإنّ معنى التّبرّع عند الفقهاء كما يؤخذ من تعريفهم لهذه الأنواع، لا يخرج عن كون التّبرّع بذل المكلّف مالاً أو منفعةً لغيره في الحال أو المآل بلا عوض بقصد البرّ والمعروف غالباً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّطوّع‏:‏

2 - التّطوّع‏:‏ اسم لما شرع زيادةً على الفرض والواجب وهو فرد من أفراد التّبرّع، فالتّبرّع قد يكون واجباً، وقد لا يكون واجباً، ويكون التّطوّع أيضاً في العبادات، وهي النّوافل كلّها الزّائدة عن الفروض والواجبات‏.‏

الحكم التّكليفيّ للتّبرّع

3 - حثّ الإسلام على فعل الخير وتقديم المعروف في الكتاب والسّنّة والإجماع، والتّبرّع بأنواعه المختلفة من الخير، فيكون مشروعاً بهذه الأدلّة‏.‏

أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتعاوَنوا على البِرِّ والتّقوى ولا تَعَاونوا على الإِثم والعدوان‏}‏ فقد أمر اللّه بالتّعاون على البرّ، وهو كلّ معروف يقدّم للغير سواء أكان بتقديم المال أم المنفعة‏.‏ وقوله سبحانه ‏{‏كُتِبَ عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ إنْ ترك خيراً الوصيّةُ للوالدَيْن والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين‏}‏ ‏.‏

وأمّا السّنّة، فإنّ الأحاديث الدّالّة على أعمال الخير كثيرة، منها‏:‏ ما روي عن ابن عمر قال‏:‏ «أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال‏:‏ يا رسول اللّه إنّي أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قطّ هو أنفس عندي منه‏.‏ فما تأمرني به‏؟‏ قال‏:‏ إن شئت حَبسْتَ أصلها وتصدّقتَ بها‏.‏ قال‏:‏ فتصدّق بها عمر‏:‏ أنّه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث، ولا يوهب‏.‏ قال‏:‏ فتصدّق عمر في الفقراء‏.‏ وفي القربى، وفي الرّقاب، وفي سبيل اللّه، وابن السّبيل‏.‏ والضّيف‏.‏ لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً، غير متموّل فيه‏.‏ قال‏:‏ فحدّثت بهذا الحديث محمّداً‏.‏ فلمّا بلغت هذا المكان‏:‏ غير متموّل فيه‏.‏ قال محمّد‏:‏ غير متأثّل مالاً»‏.‏

قال ابن عون‏:‏ وأنبأني من قرأ هذا الكتاب، أنّ فيه‏:‏ غير متأثّل مالاً‏.‏

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «تهادوا تحابّوا» وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه تبارك وتعالى تصدّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادةً في حياتكم، ليجعلها لكم زيادةً في أعمالكم»‏.‏

وأمّا الإجماع فقد اتّفقت الأمّة على مشروعيّة التّبرّع، ولم ينكر ذلك أحد‏.‏

4 - والتّبرّعات أنواع متعدّدة منها‏:‏ تبرّع بالعين، ومنها تبرّع بالمنفعة، وتكون التّبرّعات، حالّةً أو مؤجّلةً، أو مضافةً إلى ما بعد الموت‏.‏

والتّبرّع بأنواعه يدور عليه الحكم التّكليفيّ بأقسامه‏.‏

5- وقد اتّفق الفقهاء على أنّ التّبرّع ليس له حكم تكليفيّ واحد، وإنّما تعتريه الأحكام الخمسة‏:‏ فقد يكون واجباً، وقد يكون مندوباً، وقد يكون حراماً، وقد يكون مكروهاً تبعاً، لحالة التّبرّع والمتبرّع له والمتبرّع به‏.‏

فإن كان التّبرّع وصيّةً، فتكون واجبةً لتدارك قربة فاتته كزكاة أو حجّ، وتكون مندوبةً إذا كان ورثته أغنياء وهي في حدود الثّلث، وتكون حراماً إذا أوصى لمعصية أو بمحرّم، وتكون مكروهةً إذا أوصى لفقير أجنبيّ وله فقير قريب، وتكون مباحةً إذا أوصى بأقلّ من الثّلث لغنيّ أجنبيّ وورثته أغنياء‏.‏ والحكم كذلك في باقي التّبرّعات كالوقف والهبة‏.‏

أركان التّبرّع

6 - التّبرّع أساسه العقد، ولا بدّ من توافر أركان العقد، وقد اختلف الفقهاء في عدد هذه الأركان‏.‏ فالجمهور يرون أنّ للتّبرّع أربعة أركان‏:‏ متبرّع، ومتبرّع له، ومتبرّع به، وصيغة‏.‏ فالمتبرّع هو الموصي أو الواهب أو الواقف أو المعير‏.‏

والمتبرّع له قد يكون الموصى له أو الموهوب له أو الموقوف عليه أو المستعير‏.‏

والمتبرّع به قد يكون موصًى به أو موهوباً أو موقوفاً أو معاراً إلى غير ذلك‏.‏

والصّيغة هي الّتي تنشئ التّبرّع وتبيّن إرادة المتبرّع‏.‏

أمّا الحنفيّة فللتّبرّع عندهم ركن واحد، وهو الصّيغة، والخلاف عندهم فيما تتحقّق به هذه الصّيغة، وهذا يختلف تبعاً لنوع التّبرّع‏.‏

شروط التّبرّع

7 - لكلّ نوع من التّبرّعات شروط إذا تحقّقت كان التّبرّع صحيحاً‏.‏

وإذا لم تتحقّق لم يكن صحيحاً، وهذه الشّروط كثيرة ومتنوّعة، فبعضها يتعلّق بالمتبرّع، وبعضها يتعلّق بالمتبرّع له، وبعضها يتعلّق بالمتبرّع به، وبعضها يتعلّق بالصّيغة، وتفصيل شروط كلّ نوع من التّبرّعات في مصطلحه‏.‏

آثار التّبرّع

8 - التّبرّع إذا تمّ بشروطه الشّرعيّة يترتّب عليه أثر شرعيّ، وهو انتقال المتبرّع به إلى المتبرّع له، ويختلف ذلك باختلاف المتبرّع به‏.‏

ففي الوصيّة مثلاً ينتقل الملك من الموصي بعد وفاته إلى الموصى له بقبوله، سواء أكان الموصى به أعياناً أم منافع، وفي الهبة ينتقل ملك الموهوب من الواهب إلى الموهوب له إذا قبضه عند جمهور الفقهاء، ويتوقّف انتقاله على القبض عند الحنفيّة‏.‏ وفي العاريّة ينتقل حقّ الانتفاع إلى المستعير انتقالاً مؤقّتاً، وأمّا الوقف فقد اختلفوا في انتقال الملك وعدمه، فعند الحنفيّة والشّافعيّة والمشهور من مذهب أحمد‏:‏ أنّ الوقف يخرج عن ملك الواقف ويبقى على ملك اللّه تعالى، وعند المالكيّة وهو رواية عن أحمد أنّه يبقى على ملك صاحبه واستدلّوا بما روي «عن عمر رضي الله عنه لمّا وقف أسهماً له بخيبر قال له النّبيّ عليه الصلاة والسلام‏:‏ حبّس أصلها» فاستنبطوا من ذلك النّصّ بقاء الموقوف على ملك واقفه، وبالجملة فإنّ التّبرّع ينتج أثراً شرعيّاً، وهو انتقال الملك في العين أو المنفعة من المتبرّع إلى المتبرّع له إذا تمّ العقد بشروطه‏.‏

وفي المسألة تفصيلات واختلاف يرجع إليها في ‏(‏عاريّة‏.‏ هبة‏.‏ وقف‏.‏ وصيّة‏.‏ إلخ‏)‏‏.‏

ما ينتهي به التّبرّع

9 - انتهاء التّبرّع قد يكون ببطلانه، وقد يكون بغير فعل من أحد، وقد يكون بفعل التّبرّع أو غيره‏.‏ والأصل في التّبرّع عدم انتهائه لما فيه من البرّ والمعروف، باستثناء الإعارة لأنّها مؤقّتة‏.‏ وباستعراض أقوال الفقهاء في انتهاء التّبرّع يتبيّن أنّ الانتهاء يتّسع في بعض أنواع التّبرّع، ويضيق في بعضها الآخر، ومن ناحية أخرى فقد يكون إنهاء بعض التّبرّعات غير ممكن كالوقف عند جمهور الفقهاء، وقد يكون أمراً حتميّاً كالإعارة‏.‏

وتفصيل ما يتعلّق بكلّ نوع من التّبرّعات ينظر في مصطلحه‏.‏

تبرّك

التّعريف

1 - التّبرّك لغةً‏:‏ طلب البركة، والبركة هي‏:‏ النّماء والزّيادة، والتّبريك‏:‏ الدّعاء للإنسان بالبركة‏.‏ وبارك اللّه الشّيء وبارك فيه وعليه‏:‏ وضع فيه البركة، وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏وهذا كتابٌ أَنزلْناه مبارَك‏}‏ وتبرّكت به تيمّنت به‏.‏ قال الرّاغب الأصفهانيّ‏:‏ البركة ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو أنَّ أهلَ القرى آمنوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض‏}‏ ‏{‏وهذا ذِكْر مبارك أنزلناه‏}‏ تنبيهاً على ما يفيض به من الخيرات الإلهيّة‏.‏ وعلى هذا فالمعنى الاصطلاحيّ للتّبرّك هو‏:‏ طلب ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّوسّل‏:‏

2 - التّوسّل لغةً‏:‏ التّقرّب‏.‏ يقال‏:‏ توسّل العبد إلى ربّه بوسيلة إذا تقرّب إليه بعمل‏.‏

وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏وابْتَغُوا إليه الوسيلةَ‏}‏‏.‏

ب - الشّفاعة‏:‏

3 - الشّفاعة‏:‏ لغةً من مادّة شفع، ويقال‏:‏ استشفعت به‏:‏ طلبت منه الشّفاعة‏.‏ وقال الرّاغب الأصفهانيّ‏:‏ الشّفاعة الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه، وشفّع وتشفّع‏:‏ طلب الشّفاعة، والشّفاعة‏:‏ كلام الشّفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشّافع‏:‏ الطّالب لغيره، وشفع إليه في معنى‏:‏ طلب إليه قضاء حاجة المشفوع له‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الضّراعة والسّؤال في التّجاوز عن ذنوب المشفوع له أو قضاء حاجته‏.‏

ج - الاستغاثة‏:‏

4 - الاستغاثة لغةً‏:‏ طلب الغوث، وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏إذْ تستغيثون ربَّكم‏}‏ وأغاثه إغاثةً‏:‏ إذا أعانة ونصره، فهو مغيث، وأغاثهم اللّه برحمته‏:‏ كشف شدّتهم‏.‏

الحكم التّكليفي

التّبرّك مشروع في الجملة على التّفصيل التّالي‏:‏

- 1 - التّبرّك بالبسملة والحَمْدَلَة‏:‏

5 - ذهب بعض أهل العلم إلى سنّيّة ابتداء كلّ أمر ذي بال يهتمّ به شرعاً - بحيث لا يكون محرّماً لذاته، ولا مكروهاً لذاته، ولا من سفاسف الأمور ومحقّراتها - بالبسملة والحمدلة، كلّ في موضعه على سبيل التّبرّك‏.‏

وجرى العلماء في افتتاح كلماتهم وخطبهم ومؤلّفاتهم وكلّ أعمالهم المهمّة بالبسملة عملاً بما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم اللّه فهو أبتر أو أقطع أو أجذم» وفي رواية أخرى‏:‏ «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أبتر أو أقطع أو أجذم» ومن هذا الباب الإتيان بالبسملة عند الأكل، والشّرب، والجماع، والاغتسال، والوضوء، والتّلاوة، والتّيمّم، والرّكوب والنّزول وما إلى ذلك‏.‏

2 - التّبرّك بآثار النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

6 - اتّفق العلماء على مشروعيّة التّبرّك بآثار النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأورد علماء السّيرة والشّمائل والحديث أخباراً كثيرةً تمثّل تبرّك الصّحابة الكرام رضي الله عنهم بأنواع متعدّدة من آثاره صلى الله عليه وسلم نجملها فيما يأتي‏:‏

أ - في وضوئه‏:‏

7 - «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه»، لفرط حرصهم على التّبرّك بما مسّه صلى الله عليه وسلم ببدنه الشّريف، وكان من لم يصب من وضوئه يأخذ من بلل يد صاحبه‏.‏

ب - في ريقه ونخامته‏:‏

8 - «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يبصق بصاقاً ولا يتنخّم نخامةً إلاّ تلقّوها، وأخذوها من الهواء، ووقعت في كفّ رجل منهم، فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ومسحوا بها جلودهم وأعضاءهم تبرّكاً بها»‏.‏ «وكان يتفل في أفواه الأطفال، ويمجّ ريقه في الأيادي، وكان يمضغ الطّعام فيمجّه في فم الشّخص»، «وكان الصّحابة يأتون بأطفالهم ليحنّكهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجاء البركة»‏.‏

ج - في دمه صلى الله عليه وسلم‏:‏

9 - ثبت أنّ بعض الصّحابة شربوا دمه صلى الله عليه وسلم على سبيل التّبرّك، فعن عبد اللّه بن الزّبير رضي الله عنه «أنّه أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلمّا فرغ قال‏:‏ يا عبد اللّه اذهب بهذا الدّم فأهرقه حيث لا يراك أحد فشربه، فلمّا رجع، قال‏:‏ يا عبد اللّه ما صنعت‏؟‏ قال‏:‏ جعلته في أخفى مكان علمت أنّه مخفيّ عن النّاس، قال‏:‏ لعلّك شربته‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ويل للنّاس منك، وويل لك من النّاس» فكانوا يرون أنّ القوّة الّتي به من ذلك الدّم‏.‏ وفي رواية «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ من خالط دمه دمي لم تمسّه النّار»‏.‏

د - في شعره صلى الله عليه وسلم‏:‏

10 - «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوزّع شعره بين الصّحابة عندما يحلق رأسه الشّريف»، وكان الصّحابة رضي الله عنهم يحرصون على أن يحصّلوا شيئاً من شعره صلى الله عليه وسلم ويحافظون على ما يصل إلى أيديهم منه للتّبرّك به‏.‏ فعن أنس رضي الله عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتى منًى فأتى الجمرة فرماها ثمّ أتى منزله بمنًى ونحر، ثمّ قال‏:‏ للحلّاق‏:‏ خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثمّ الأيسر، ثمّ جعل يعطيه النّاس»‏.‏

وفي رواية‏:‏ «لمّا رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلّاق شقّه الأيمن، فحلقه، ثمّ دعا أبا طلحة الأنصاريّ رضي الله عنه فأعطاه إيّاه، ثمّ ناوله الشّقّ الأيسر فقال‏:‏ احلق، فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال‏:‏ اقسمه بين النّاس»‏.‏ وفي رواية‏:‏ «فبدأ بالشّقّ الأيمن فوزّعه الشّعرة والشّعرتين بين النّاس، ثمّ قال بالأيسر فصنع به مثل ذلك»‏.‏

وروي «أنّ خالد بن الوليد رضي الله عنه‏:‏ فقد قلنسوةً له يوم اليرموك، فطلبها حتّى وجدها، وقال‏:‏ اعتمر رسول اللّه فحلق رأسه فابتدر النّاس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالاً وهي معي إلاّ رزقت النّصر»‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والحلّاق يحلقه وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلاّ في يد رجل»‏.‏

هـ - في سؤره وطعامه صلى الله عليه وسلم‏:‏

11 - ثبت أنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يتنافسون في سؤره صلى الله عليه وسلم ليحوز كلّ واحد منهم البركة الّتي حلّت في الطّعام أو الشّراب من قبل الرّسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ فعن سهل بن سعد رضي الله عنه‏:‏ «أنّ رسول اللّه أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ فقال للغلام‏:‏ أتأذن لي أن أعطي هؤلاء‏؟‏ فقال الغلام‏:‏ - وهو ابن عبّاس رضي الله عنهما -‏:‏ واللّه يا رسول اللّه لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتلّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في يده»‏.‏

وعن عميرة بنت مسعود رضي الله عنها‏:‏ «أنّها دخلت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها يبايعنه، وهنّ خمس، فوجدته يأكل قديده، فمضغ لهنّ قديدةً، ثمّ ناولني القديدة، فمضغتها كلّ واحدة قطعةً قطعةً، فلقين اللّه وما وجد لأفواههنّ خلوف»‏.‏ وفي حديث خنس بن عقيل‏:‏ «سقاني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شربةً من سويق شرب أوّلها وشربت آخرها، فما برحت أجد شبعها إذا جعت، وريّها إذا عطشت، وبردها إذا ظمئت»‏.‏

و - في أظافره صلى الله عليه وسلم‏:‏

12 - ثبت أنّه صلى الله عليه وسلم قلّم أظافره، وقسمها بين النّاس للتّبرّك بها، فقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله، من حديث محمّد بن زيد أنّ أباه حدّثه‏:‏ «أنّه شهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المنحر ورجلاً من قريش، وهو يقسم أضاحيّ، فلم يصبه منها شيء ولا صاحبه، فحلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه، فأعطاه فقسم منه على رجال، وقلّم أظافره فأعطاه صاحبه»‏.‏ وفي رواية «ثمّ قلّم أظافره وقسمها بين النّاس»‏.‏

ز - في لباسه صلى الله عليه وسلم وأوانيه‏:‏

13 - ثبت كذلك أنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يحرصون على اقتناء ملابسه وأوانيه للتّبرّك بها والاستشفاء‏.‏ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما‏:‏ «أنّها أخرجت جبّةً طيالسةً وقالت‏:‏ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها»‏.‏ وفي رواية‏:‏ «فنحن نغسلها نستشفي بها»‏.‏

وروي عن أبي محمّد الباجيّ قال‏:‏ «كانت عندنا قصعة من قصاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكنّا نجعل فيها الماء للمرضى، يستشفون بها، فيشفون بها»‏.‏

ح - في ما لمسه صلى الله عليه وسلم ومصلّاه‏:‏

14 - كان الصّحابة رضي الله عنهم يتبرّكون فيما تلمس يده الشّريفة صلى الله عليه وسلم‏.‏ ومن ذلك «بركة يده فيما لمسه وغرسه لسلمان رضي الله عنه حين كاتبه مواليه على ثلثمائة ودية وهو صغار النّخل يغرسها لهم كلّها، تعلّق وتطعم، وعلى أربعين أوقيّة من ذهب، فقام صلى الله عليه وسلم وغرسها له بيده، إلاّ واحدةً غرسها غيره، فأخذت كلّها إلاّ تلك الواحدة، فقلعها النّبيّ صلى الله عليه وسلم وردّها فأخذت» وفي رواية‏:‏ «فأطعم النّخل من عامه إلاّ الواحدة، فقلعها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وغرسها فأطعمت من عامها، وأعطاه مثل بيضة الدّجاجة من ذهب، بعد أن أدارها على لسانه، فوزن منها لمواليه أربعين أوقيّة، وبقي عنده مثل ما أعطاهم»‏.‏

«ووضع يده الشّريفة صلى الله عليه وسلم على رأس حنظلة بن حذيم وبرّك عليه، فكان حنظلة يؤتى بالرّجل قد ورم وجهه، والشّاة قد ورم ضرعها، فيوضع على موضع كفّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيذهب الورم»‏.‏

«وكان يؤتى إليه صلى الله عليه وسلم بالمرضى وأصحاب العاهات والمجانين فيمسح عليهم بيده الشّريفة صلى الله عليه وسلم فيزول ما بهم من مرض وجنون وعاهة»‏.‏

وكذلك كانوا يحرصون على أن يصلّي النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مكان من بيوتهم، ليتّخذوه مصلًّى لهم بعد ذلك، وتحصل لهم بركة النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فعن عتبان بن مالك رضي الله عنه - وهو ممّن شهد بدراً - قال‏:‏ «كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار، فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت له‏:‏ إنّي أنكرت بصري، وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه، فوددت أنّك تأتي فتصلّي في بيتي مكاناً أتّخذه مصلًّى، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ سأفعل إن شاء اللّه فغدا عليّ رسول اللّه وأبو بكر رضي الله عنه بعدما اشتدّ النّهار، واستأذن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتّى قال‏:‏ أين تحبّ أن أصلّي من بيتك‏؟‏ فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن يصلّي فيه، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم، وسلّمنا حين سلّم»‏.‏

3 - التّبرّك بماء زمزم‏:‏

15 - ذهب العلماء إلى سنّيّة شرب ماء زمزم لمطلوبه في الدّنيا والآخرة، لأنّها مباركة، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ماء زمزم لما شرب له»‏.‏

4 - التّبرّك ببعض الأزمنة والأماكن في النّكاح‏:‏

16 - ذهب جمهور العلماء إلى استحباب مباشرة عقد النّكاح في المسجد، وفي يوم الجمعة للتّبرّك بهما، فقد قال الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أعلنوا هذا النّكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدّفوف»‏.‏

تبسّط

انظر‏:‏ توسعة‏.‏

تبع

انظر‏:‏ تابع‏.‏

تبعّض

انظر‏:‏ تبعيض‏.‏

تبعة

انظر‏:‏ اتّباع، ضمان‏.‏

تبعيض

التّعريف

1 - التّبعيض في اللّغة‏:‏ التّجزئة، وهو مصدر بعّض الشّيء تبعيضاً، أي جعله أبعاضاً أي أجزاءً متمايزةً‏.‏ وبعض الشّيء‏:‏ جزؤه، وهو طائفة منه سواء قلّت أو كثرت‏.‏ ومنه‏:‏ أخذوا ماله فبعّضوه، أي‏:‏ فرّقوه أجزاءً‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة التّبعيض عن هذا المعنى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّفريق‏:‏

2 - التّفريق‏:‏ مصدر فرّق الشّيء تفريقاً، أي فصله أبعاضاً، فيكون بمعنى التّبعيض والتّجزّؤ، وهو ضدّ الجمع‏.‏ وفرّقت بين الرّجلين فتفرّقا‏.‏ قال ابن الأعرابيّ‏:‏ فرّقت بين الكلامين فافترقا، مخفّف، وفرّقت بين العبدين فتفرّقا مثقّل، فجعل المخفّف في المعاني، والمثقّل في الأعيان‏.‏ والّذي حكاه غيره أنّهما بمعنًى، والتّثقيل للمبالغة‏.‏

ويأتي التّفريق بين الشّيئين بمعنى التّمييز بينهما‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - ليس للتّبعيض حكم عامّ جامع، ولا يمكن اطّراده على حكم واحد، ويختلف حكمه باختلاف ما يتعلّق به من العبادات، والمعاملات والدّعاوى، والجنايات، وغيرها على ما سيأتي‏.‏

أهمّ القواعد الّتي تبنى عليها مسائل التّبعيض وأحكامها

4 - تبنى أحكام التّبعيض من ناحية الجواز وعدمه على قواعد فقهيّة كثيرة في المذاهب المختلفة، نجمل أهمّها فيما يأتي‏:‏

أ - قاعدة ‏"‏ ذكر بعض ما لا يتجزّأ كذكر كلّه ‏"‏‏.‏

5- فإذا طلّق المرأة نصف تطليقة وقعت واحدة‏.‏ أو طلّق نصف المرأة طلقت‏.‏

وللقاعدة فروع أخرى عند الحنفيّة‏.‏ يأتي ذكر بعضها في مواضعها، ونظيرها عند الشّافعيّة قاعدة ‏"‏ ما لا يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه، وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه ‏"‏‏.‏

ب - ‏"‏ ما جاز على البدل لا يدخله تبعيض في البدل والمبدل منه معاً ‏"‏‏:‏

6- ولهذا قال الرّافعيّ في باب العدد‏:‏ الواجب الواحد لا يتأدّى ببعض الأصل، وبعض البدل كخصال الكفّارة، وكالتّيمّم مع الوضوء، أمّا في أحدهما فنعم، كما لو وجد من الماء ما لا يكفيه، فإنّه يستعمله ويتيمّم عن الباقي‏.‏

فهذا يجوز عند الشّافعيّة والحنابلة، ولا يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ كما سيأتي بيانه‏.‏

ج - قاعدة ‏"‏ الميسور لا يسقط بالمعسور ‏"‏‏.‏

7- قال ابن السّبكيّ‏:‏ هي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ومن أمثلتها ما إذا قدر المصلّي على بعض الفاتحة لزمه قطعاً‏.‏ وكما لو وجد بعض الصّاع من الفطرة لزمه إخراجه على الأصحّ، ويخرج عن هذه القاعدة أمور منها‏:‏ أنّه لو وجد المحدث الفاقد للماء ثلجاً أو برداً، وتعذّرت إذابته فلا يجب مسح الرّأس به على المذهب، وكما إذا وجد في الكفّارة المرتّبة بعض الرّقبة لا يجب قطعاً، لأنّ الشّرع قصد تكميل العتق قطعاً‏.‏ وسيأتي تفصيل هذه الأحكام‏.‏

أحكام التّبعيض

التّبعيض في الطّهارة‏:‏

8 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض يتأتّى في الطّهارة‏:‏ فإن قطعت يد الشّخص من المرفق غسّل ما بقي من محلّ الفرض، وكذلك كلّ عضو سقط بعضه يتعلّق الحكم بباقيه غسلاً ومسحاً، طبقاً لقاعدة ‏"‏ الميسور لا يسقط بالمعسور ‏"‏‏.‏

وإذا وجد الجنب ماءً يكفي غسل بعض أعضائه، فذهب الحنفيّة والمالكيّة، وابن المنذر، وهو أحد قولي الشّافعيّ إلى أنّه يتيمّم ويتركه، لأنّ هذا الماء لا يطهّره، فلم يلزمه استعماله كالماء المستعمل، ولما فيه من الجمع بين البدل والمبدل، ولأنّ ما جاز على البدل لا يدخله تبعيض‏.‏ وهو قول الحسن، والزّهريّ، وحمّاد‏.‏

وذهب الحنابلة، وهو قول آخر للشّافعيّ إلى أنّه يلزمه استعماله، ويتيمّم للباقي‏.‏ وبه قال عبدة بن أبي لبابة ومعمر، ونحوه قال عطاء‏.‏ وأمّا إن وجد المحدث حدثاً أصغر بعض ما يكفيه من ماء فالحكم لا يختلف عند من لا يجوّز الجمع بين البدل والمبدل منه‏.‏ وعند الشّافعيّة يجب استعماله على الأصحّ، وهو وجه للحنابلة أيضاً، لأنّه قدر على بعض الطّهارة بالماء فلزمه كالجنب، وكما لو كان بعض بدنه صحيحاً وبعضه جريحاً‏.‏

ومأخذ من لا يراه من الحنابلة‏:‏ إمّا أنّ الحدث الأصغر لا يتبعّض رفعه فلا يحصل به مقصوده، أو أنّه يتبعّض لكنّه يبطل بالإخلال بالموالاة، فلا يبقى له فائدة، أو أنّ غسل بعض أعضاء المحدث غير مشروع، بخلاف غسل بعض أعضاء الجنب‏.‏

وعلى هذا الخلاف الجريح والمريض إذا أمكن غسل بعض جسده دون بعض، فقد قال أبو حنيفة ومالك‏:‏ إن كان أكثر بدنه صحيحاً غسّل ولا تيمّم عليه، وإن كان العكس تيمّم ولا غسل عليه، لأنّ الجمع بين البدل والمبدل لا يجب كالصّيام والإطعام‏.‏ ويلزمه غسل ما أمكنه، والتّيمّم للباقي عند الحنابلة، وبه قال الشّافعيّ‏.‏

9- وإذا توضّأ ومسح على خفّيه، ثمّ خلعهما قبل انقضاء المدّة، فذهب الحنفيّة والمالكيّة، وهو قول للشّافعيّ، ورواية عن أحمد‏:‏ أنّه يجزئه غسل قدميه‏.‏

ومذهب الحنابلة، وهو قول آخر للشّافعيّ‏:‏ أنّه إذا خلع خفّيه قبل انقضاء المدّة بطل وضوءه، وبه قال النّخعيّ والزّهريّ ومكحول والأوزاعيّ وإسحاق‏.‏ وهذا الاختلاف مبنيّ على الاختلاف في وجوب الموالاة في الوضوء، فمن أجاز التّفريق جوّز غسل القدمين لأنّ سائر أعضائه مغسولة، ومن منع التّفريق أبطل وضوءه لفوات الموالاة‏.‏

ونزع أحد الخفّين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم، منهم‏:‏ مالك والثّوريّ والأوزاعيّ وابن المبارك والشّافعيّ، وأصحاب الرّأي، والحنابلة‏.‏ ويلزمه نزع الآخر‏.‏ وقال الزّهريّ يغسل القدم الّتي نزع الخفّ منها، ويمسح الآخر، لأنّهما عضوان فأشبها الرّأس والقدم‏.‏

كما أنّه لا يجوز غسل إحدى الرّجلين والمسح على الأخرى، لأنّ الشّارع خيّر المتوضّئ بين غسل الرّجلين والمسح على الخفّين، لأنّه لا يجمع بين البدل والمبدل منه‏.‏

10 - وأمّا التّبعيض في مسح الرّأس‏:‏ فقد اتّفق الفقهاء على وجوب مسح الرّأس واختلفوا في قدر الواجب‏:‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة، وهو رواية عن أحمد إلى أنّ المتوضّئ يجزئه مسح بعض الرّأس، وإليه ذهب الحسن والثّوريّ والأوزاعيّ، وقد نقل عن سلمة بن الأكوع أنّه كان يمسح مقدّم رأسه، وابن عمر مسح اليافوخ‏.‏

وذهب المالكيّة، وهو رواية عن أحمد إلى وجوب مسح جميعه في حقّ كلّ أحد، إلاّ أنّ الظّاهر عن أحمد في حقّ الرّجل‏:‏ وجوب الاستيعاب، وأنّ المرأة يجزئها مسح مقدّم رأسها‏.‏وفي موضع المسح وبيان القدر المجزئ تفصيل ذكر في موطنه‏.‏ ر‏:‏ مصطلح ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

التّبعيض في الصّلاة‏:‏

11 - ذهب الأئمّة الأربعة إلى جواز التّبعيض في بعض أفعال الصّلاة، ومنها ما يلي‏:‏

إذا قدر المصلّي على بعض الفاتحة‏:‏ فذهب المالكيّة والشّافعيّة، والحنابلة إلى أنّه يلزمه، والأصل في هذا الباب عند الشّافعيّة قاعدة ‏"‏ الميسور لا يسقط بالمعسور ‏"‏ أي عدم القدرة على الكلّ لا يسقط البعض المقدور عليه، وعند الحنابلة قاعدة ‏"‏ من قدر على بعض العبادة، فما هو جزء من العبادة - وهو عبادة مشروعة في نفسه - فيجب فعله عند تعذّر فعل الجميع بغير خلاف ‏"‏‏.‏

وأمّا الحنفيّة فلا يتأتّى هذا عندهم، لأنّ قراءة الفاتحة في الصّلاة لا تتعيّن، وتجزئ آية من القرآن من أيّ موضع كان‏.‏

وإذا وجد المصلّي بعض ما يستر به العورة، فذهب الأئمّة الأربعة إلى أنّه يلزمه قطعاً‏.‏ وكذلك لو عجز عن الرّكوع والسّجود دون القيام ‏"‏ لزماه عند غير الحنفيّة، وإذا لم يمكنه رفع اليدين في الصّلاة إلاّ بالزّيادة أو النّقصان أتى بالممكن، للقواعد المذكورة، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»‏.‏

التّبعيض في الزّكاة‏:‏

12 - من أتلف جزءاً من النّصاب قصداً للتّنقيص لتسقط عنه الزّكاة، لم تسقط عند الإمام مالك والحنابلة، وتؤخذ الزّكاة منه في آخر الحول إذا كان إبداله أو إتلافه عند قرب الوجوب، ولو فعل ذلك في أوّل الحول لم تجب الزّكاة لأنّ ذلك ليس بمظنّة للفرار‏.‏ وبه قال الأوزاعيّ، وابن الماجشون، وإسحاق وأبو عبيد‏.‏ وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة‏:‏ تسقط عنه الزّكاة، لأنّه نقص قبل تمام الحول، فلم تجب فيه الزّكاة، كما لو أتلفه لحاجته‏.‏

التّبعيض في الصّوم‏:‏

13 - لا يصحّ صيام بعض اليوم، فمن قدر على صوم بعض اليوم لا يلزمه إمساكه، لأنّه ليس بصوم شرعيّ‏.‏ وأمّا من قدر على صوم بعض أيّام رمضان دون جميعه فإنّه يلزمه صوم ما قدر عليه، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمنْ شَهِدَ منكم الشّهرَ فَلْيصمه ومن كان مريضاً أو على سَفَر فَعِدَّةٌ من أيّام أُخَر‏}‏‏.‏

التّبعيض في الحجّ‏:‏

أ - التّبعيض في الإحرام‏:‏

14 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض لا يؤثّر في انعقاد الإحرام، فإذا قال‏:‏ أحرمت بنصف نسك، انعقد بنسك كامل، طبقاً لقاعدة‏:‏ ‏"‏ المضاف للجزء كالمضاف للكلّ ‏"‏ وقاعدة‏:‏ ‏"‏ ذكر بعض ما لا يتجزّأ كذكر كلّه ‏"‏ وكذلك قاعدة ‏"‏ ما لا يقبل التّبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار كلّه، وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه ‏"‏‏.‏

كما أجمع أهل العلم على أنّه لا فرق بين تغطية جميع الرّأس وتغطية بعضه، وكذلك تغطية جميع الوجه بالنّسبة للمرأة، وقلم جميع الأظفار أو بعضها، وحلق جميع الرّأس، أو بعضه، فإنّ المحرم يمنع من تغطية بعض رأسه، كما يمنع من تغطية جميعه، وهكذا، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تخمّروا رأسه» والمنهيّ عنه يحرم فعل بعضه‏.‏ كذلك لما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تَحْلِقُوا رءوسَكم‏}‏ حرم حلق بعضه‏.‏ وإنّما الفرق فيما يترتّب على ذلك من دم وفدية‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏إحرام وحجّ‏)‏‏.‏

ب - التّبعيض في الطّواف‏:‏

15 - اتّفق الفقهاء على أنّ الطّواف إنّما شرع بجميع البيت، وأنّ ترك بعض البيت في الطّواف مبطل له‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ إن طاف داخل الحجر فعليه قضاء ما ترك، فإن لم يفعل فعليه دم‏.‏ أمّا التّبعيض في عدد أشواط الطّواف فلا يجوز نقصه عن سبعة كاملة خلافاً للحنفيّة القائلين‏:‏ بأنّ الأشواط الأربعة ركن، وما زاد عليها واجب‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّه لا بدّ في الطّواف أن يمرّ في الابتداء بجميع البدن على جميع الحجر الأسود، فلو حاذاه ببعض بدنه، وكان بعضه الآخر مجاوزاً إلى جانب الباب ففيه قولان عندهم‏:‏ الجديد‏:‏ أنّه لا يعتدّ بذلك الشّوط‏.‏ والقديم‏:‏ يعتدّ به‏.‏

وعند الحنابلة احتمالان، وأمّا لو حاذى بجميع البدن بعض الحجر دون بعضه أجزأه، كما يجزئه أن يستقبل في الصّلاة بجميع بدنه بعض الكعبة‏.‏

التّبعيض في النّذور‏:‏

16 - من نذر صلاة نصف ركعة أو صيام بعض يوم‏:‏ فذهب الحنفيّة ما عدا محمّداً وزفر، والمالكيّة ما عدا ابن الماجشون، وهو وجه عند الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّه يجب تكميله، والتّكميل في الصّوم يكون بصيام يوم كامل‏.‏

وفيه وجه ضعيف عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه يكفيه إمساك بعض يوم، بناءً على أنّ النّذر ينزّل على أقلّ ما يصحّ من جنسه، وأنّ إمساك بعض اليوم صوم‏.‏ واختلفوا في الصّلاة أيضاً‏.‏

فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف، وهو رواية عن الحنابلة، وقول عند الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّه لا يجزئه إلاّ ركعتان‏.‏ ونقل الجرهديّ في شرح الفرائد البهيّة‏:‏ أنّ هذا هو المعتمد والموافق للقاعدة، وهي‏:‏ ما لا يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه، وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه‏.‏ ولأنّ أقلّ الصّلاة الواجبة بالشّرع ركعتان، فوجب حمل النّذر عليه‏.‏

وذهب المالكيّة، وهو قول عند الحنابلة إلى أنّه يجزئه ركعة واحدة، لأنّ أقلّ الصّلاة ركعة‏.‏ وذهب الشّافعيّة في الأصحّ، وابن الماجشون من المالكيّة، ومحمّد وزفر من الحنفيّة إلى أنّه في هذه الحالة‏:‏ أي إذا نذر صلاة نصف ركعة، أو صيام بعض يوم لا ينعقد نذره، فلا يلزمه شيء ولا يجب الوفاء به‏.‏ ولتفصيل ذلك كلّه يرجع إلى مصطلح ‏(‏نذر، أيمان‏)‏‏.‏

التّبعيض في الكفّارة‏:‏

17 - اختلف الفقهاء في جواز التّبعيض في الكفّارة‏:‏ فذهب المالكيّة والشّافعيّة، وهو وجه عند الحنابلة‏:‏ إلى أنّه لا يجوز تبعيض الكفّارة، فلا يجوز أن يعتق نصف رقبة ويصوم شهراً، ويصوم شهراً أو يطعم ثلاثين مسكيناً، أو يكفّر عن يمينه بإطعام خمسة مساكين وكسوة خمسة، لأنّ ما جاز فيه التّخيير لا يجوز فيه التّبعيض، إلاّ أن يكون الحقّ لمعيّن ورضي تبعيضه، والحقّ هنا للّه تعالى‏.‏

وذهب الحنفيّة، وهو المشهور عند الحنابلة إلى جواز التّبعيض في الكفّارة‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ إن أطعم خمسة مساكين وكسا خمسةً مطلقاً جاز، لأنّه أخرج من المنصوص عليه بعدّة الواجب، فأجزأه كما لو أخرجه من جنس واحد‏.‏

وأمّا عند الحنفيّة فيجزئه ذلك عن الإطعام إن كان الإطعام أرخص من الكسوة، وإن كان على العكس فلا يجوز‏.‏ هذا في إطعام الإباحة ‏(‏التّمكين من التّناول دون التّزوّد‏)‏ أمّا إذا ملّكه الطّعام فيجوز ويقام مقام الكسوة‏.‏

التّبعيض في البيع‏:‏

18 - يجوز التّبعيض في البيع إذا لم يكن فيه ضرر يرجع على أحد المتبايعين في القبض والتّسليم، أو لا يفضي إلى الجهالة والمنازعة، ولا خلاف في هذا‏.‏

واختلف الفقهاء في الآثار الّتي تترتّب على وقوع التّبعيض، وفيما يلي بيان ذلك‏:‏

يختلف حكم التّبعيض باختلاف كون العقد وقع على مثليّ كالمكيل، أو الموزون، أو المذروع، أو قيميّ‏.‏

19 - فإن كان العقد قد وقع على مثليّ ‏(‏مكيل أو موزون‏)‏ ولم يكن في تبعيضه ضرر، كمن باع صبرةً على أنّها مائة قفيز بمائة درهم، وهي أقلّ أو أكثر‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ للمشتري أن يأخذ الأقلّ بحصّته أو يفسخ، وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة، وأحد الوجهين عند الحنابلة، لتفريق الصّفقة، ولأنّه وجد المبيع ناقصاً فكان له الفسخ كغير الصّبرة، وكنقصان الصّفة‏.‏

والوجه الثّاني للحنابلة‏:‏ أنّه لا خيار له، لأنّ نقصان القدر ليس بعيب في الباقي من الكيل بخلاف غيره‏.‏ ثمّ التّخيير عند النّقصان في المثليّ عند الحنفيّة مقيّد بما إذا لم يقبض كلّ المبيع أو بعضه، فإن قبض أي بعد العلم بالنّقص لا يخيّر، بل يرجع بالنّقصان‏.‏ وأيضاً هو مقيّد بعدم كونه مشاهداً للمبيع حيث ينتفي التّغرير‏.‏

وأمّا الموزون الّذي في تبعيضه ضرر، كما لو باع لؤلؤةً على أنّها تزن مثقالاً فوجدها أكثر سلّمت للمشتري، لأنّ الوزن فيما يضرّه التّبعيض وصف بمنزلة الذّرعان في الثّوب‏.‏ وللتّفصيل ر‏:‏ ‏(‏خيار‏)‏‏.‏

20 - وإن كان العقد قد وقع على مذروع‏:‏ كمن باع ثوباً على أنّه مائة ذراع مثلاً فبان أنّه أقلّ، فعند الحنفيّة، وفي قول للمالكيّة، وهو قول أصحاب الشّافعيّ أيضاً‏:‏ أخذ المشتري الأقلّ بكلّ الثّمن أو ترك، وإن بان أكثر أخذ الأكثر قضاءً بلا خيار للبائع، لأنّ الذّرع في القيميّات وصف لتعيّبه بالتّبعيض‏.‏ بخلاف القدر في المثليّات من مكيل أو موزون، والوصف لا يقابله شيء من الثّمن إلاّ إذا كان مقصوداً بتناول المبيع له، كأن يقول في بيع المذروع‏:‏ كلّ ذراع بدرهم‏.‏

والقول الثّاني عند المالكيّة‏:‏ إن كان النّاقص يسيراً لزمه الباقي بما ينوبه من الثّمن، وإن كان كثيراً كان مخيّراً في الباقي بين أخذه بما ينوبه أو ردّه‏.‏

وعند الحنابلة في صورة الزّيادة روايتان‏:‏ إحداهما‏:‏ البيع باطل، والثّانية‏:‏ البيع صحيح، والزّيادة للبائع، ويخيّر بين تسليم المبيع زائداً وبين تسليم المائة، فإن رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري، وإن أبى تسليمه زائداً، فللمشتري الخيار بين الفسخ، والأخذ بجميع الثّمن المسمّى وقسّط الزّائد‏.‏

وكذلك في صورة النّقصان أيضاً روايتان عند الحنابلة‏.‏ إحداهما‏:‏ البيع باطل، والثّانية‏:‏ البيع صحيح، والمشتري بالخيار بين الفسخ والإمساك بقسطه من الثّمن‏.‏

وقال أصحاب الشّافعيّ‏:‏ ليس له إمساكه إلاّ بكلّ الثّمن أو الفسخ، بناءً على قولهم‏:‏ إنّ المعيب ليس لمشتريه إلاّ الفسخ، أو إمساكه بكلّ الثّمن‏.‏

التّبعيض في القيميّات‏:‏

21 - أمّا التّبعيض في الأعيان الأخرى فذكر صاحب روضة الطّالبين‏:‏ أنّه لو باع جزءاً شائعاً من سيف أو إناء ونحوهما صحّ وصار مشتركاً، ولو عيّن بعضه وباعه لم يصحّ، لأنّ تسليمه لا يحصل إلاّ بقطعه، وفيه نقص وتضييع للمال‏.‏

وكذلك لو باع جزءاً معيّناً من جدار أو أسطوانة، فإن كان فوقه شيء لم يصحّ، لأنّه لا يمكن تسليمه إلاّ بهدم ما فوقه، وإن لم يكن فوقه شيء، فإن كان قطعةً واحدةً تتلف كلّيّةً بالتّبعيض لم يجز، وإن كانت لا تتلف جاز‏.‏

وقواعد المذاهب الأخرى تقضي بما ذهب إليه الشّافعيّة‏.‏

التّبعيض في خيار العيب‏:‏

22 - إذا اشترى شيئين صفقةً واحدةً فوجد بأحدهما عيباً، وكانا ممّا ينقصهما التّفريق، ففيه روايتان عند الحنابلة‏:‏

إحداهما‏:‏ ليس له إلاّ ردّهما، أو أخذ الأرش مع إمساكهما، وهو ظاهر قول الشّافعيّ، وقول أبي حنيفة فيما قبل القبض، لما فيه من التّشقيص على البائع فلم يكن له ذلك‏.‏ والثّانية‏:‏ له ردّ المعيب وإمساك الصّحيح، وهو قول أبي حنيفة فيما بعد القبض‏.‏

وذهب المالكيّة إلى جواز ردّ المعيب، والرّجوع بحصّته من الثّمن، إذا كان الثّمن عيناً أو مثليّاً، فإن كان سلعةً فإنّه يرجع بما ينوب السّلعة المعيبة من قيمة السّلعة الّتي هي الثّمن، لضرر الشّركة، وهذا إذا لم تكن السّلعة المعيبة وجه الصّفقة‏.‏ فإن كانت فليس للمشتري إلاّ ردّ الجميع أو الرّضى بالجميع‏.‏

التّبعيض في الشّفعة‏:‏

23 - قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم على أنّ أحد الشّفيعين لو ترك شفعته، لم يكن للآخر إلاّ أخذ الجميع أو ترك الجميع، وليس له أخذ البعض، وهذا قول مالك والشّافعيّ وأصحاب الرّأي، لأنّ في أخذ البعض إضراراً بالمشتري بتبعيض الصّفقة عليه، والضّرر لا يزال بالضّرر‏.‏

وكذا لو كان الشّفيع واحداً لم يجز له أخذ بعض المبيع لذلك‏.‏ فإن فعل سقطت شفعته، لأنّها لا تتبعّض، فإذا سقط بعضها سقط جميعها كالقصاص‏.‏ والأصل في هذا الباب عند الشّافعيّة قاعدة ‏"‏ ما لا يقبل التّبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار كلّه، وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه ‏"‏‏.‏

وقاعدة ‏"‏ ما جاز فيه التّخيير لا يجوز فيه التّبعيض ‏"‏ قال القاضي حسين في فتاويه‏:‏ والشّفيع مخيّر بين الأخذ بالشّفعة، والتّرك، فلو أراد أخذ بعض الشّفعة فليس له ذلك‏.‏ وكذلك إذا وجد الشّفيع بعض ثمن الشّقص لا يأخذ قسطه من المثمّن ‏(‏المبيع‏)‏ طبقاً لقاعدة ‏"‏ إنّ بعض المقدور عليه لا يجب قطعاً ‏"‏‏.‏

ثمّ هذا كلّه إن كان المبيع بعضه غير متميّز عن البعض، أمّا إن كان متميّزاً عن البعض، بأن اشترى دارين صفقةً واحدةً، فأراد الشّفيع أن يأخذ إحداهما دون الأخرى، وكان شفيعاً لهما أو لإحداهما دون الأخرى‏.‏ فاختلف الأئمّة على آراء وأقوال‏.‏موطنها كتاب ‏(‏الشّفعة‏)‏‏.‏

التّبعيض في السّلم‏:‏

24 - أجمع الفقهاء على وجوب تسليم رأس مال السّلم في مجلس العقد، فلو تفرّقا قبل قبضه بطل العقد عندهم‏.‏ وأمّا لو تفرّقا قبل قبض بعضه، فعند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ يبطل فيما لم يقبض‏.‏ وحكي ذلك عن ابن شبرمة، والثّوريّ‏.‏

وأمّا الحكم في المقبوض، فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يصحّ بقسطه، وعند الشّافعيّة طريقان، وكلام الخرقيّ من الحنابلة يقتضي ألاّ يصحّ، لقوله‏:‏ ويقبض الثّمن كاملاً وقت السّلم قبل التّفرّق‏.‏

واشترط المالكيّة تسليم رأس المال في مجلس العقد، فإن تأخّر بعضه انفسخ كلّه‏.‏

وأمّا التّبعيض في المسلم فيه بالإقالة في بعضه‏:‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة، وهو رواية عن أحمد إلى أنّه لا بأس بها، لأنّ الإقالة مندوب إليها، وكلّ معروف جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء‏.‏ وروي ذلك عن ابن عبّاس وعطاء وطاوس وحميد بن عبد الرّحمن وعمرو بن دينار والحكم والثّوريّ‏.‏ وذهب أحمد في رواية أخرى إلى أنّها لا تجوز‏.‏

ورويت كراهتها عن ابن عمر وسعيد بن المسيّب والحسن وابن سيرين والنّخعيّ، وسعيد بن جبير، وربيعة، وابن أبي ليلى وإسحاق‏.‏ وأمّا لو انقطع بعض المسلم فيه عند المحلّ، والباقي مقبوض أو غير مقبوض، ففيه خلاف وتفصيل ينظر في باب ‏(‏السّلم‏)‏‏.‏

التّبعيض في القرض‏:‏

25 - اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الإقراض‏.‏

نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين قوله‏:‏ يحتمل أن يكون الإقراض بعد إفرازه أو قبله، فإنّ قرض المشاع جائز بالإجماع‏.‏

وأمّا التّبعيض في إيفاء القرض كأن يشترط أن يوفيه أنقص ممّا أقرضه‏.‏

فذهب الحنابلة إلى أنّه لا يجوز، سواء أكان ممّا يجري فيه الرّبا أم لا، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشّافعيّ، لأنّ القرض يقتضي المثل، فشرط النّقصان يخالف مقتضاه، فلم يجز كشرط الزّيادة‏.‏ وفي الوجه الثّاني للشّافعيّة يجوز، لأنّ القرض جعل للرّفق بالمستقرض، وشرط النّقصان لا يخرجه عن موضوعه‏.‏

26 - وأمّا تعجيل بعض الدّين المؤجّل من قبل المدين في مقابل تنازل الغريم عن بعض الدّين، فلا يجوز عند جمهور الفقهاء، لكن إن تنازل المقروض بلا شرط ملفوظ أو ملحوظ عن بعض الحقّ فهو جائز‏.‏ ر‏:‏ مصطلح ‏(‏أجل‏)‏ ‏(‏ف‏:‏89‏)‏‏.‏

التّبعيض في الرّهن‏:‏

27 - ذهب المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة إلى جواز التّبعيض في الرّهن، فيجوز رهن بعض المشاع عندهم، رهنه عند شريكه أو غيره، قبل القسمة أم لم يقبلها، وسواء أكان الباقي من المشاع للرّاهن أم لغيره‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يصحّ رهن المشاع مطلقاً، سواء أكان مقارناً كنصف دار، أم طارئاً‏:‏ كأن يرهن الجميع ثمّ يتفاسخا في البعض، وفي رواية عن أبي يوسف أنّ الطّارئ لا يضرّ، والصّحيح الأوّل، وسواء أكان من شريكه أم غيره، وسواء أكان ممّا يقسم أم لا‏.‏ فالأصل عند الحنفيّة‏:‏ أنّه لا يجوز رهن المشاع، فلا يجوز التّبعيض فيه، ويستثنى من هذا الأصل الصّور التّالية‏:‏

أ - إذا كانت عيناً بينهما، رهناها عند رجل بدين له على كلّ واحد منهما رهناً واحداً‏.‏

ب - إذا ثبت الشّيوع فيه ضرورةً، كما لو جاء بثوبين، وقال‏:‏ خذ أحدهما رهناً والآخر بضاعةً عندك، فإنّ نصف كلّ منهما يصير رهناً بالدّين، لأنّ أحدهما ليس بأولى من الآخر، فيشيع الرّهن فيهما بالضّرورة، فلا يضرّ‏.‏

28 - أمّا حقّ الوثيقة في الرّهن وهو الحبس للتّوثّق، فلا يتبعّض بأداء بعض الدّين، لأنّ الدّين يتعلّق بالرّهن جميعه، فيصير محبوساً بكلّ الحقّ، وبكلّ جزء منه، لا ينفكّ منه شيء حتّى يقضي جميع الدّين، سواء أكان ممّا يمكن قسمته أم لا يمكن‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم على أنّ من رهن شيئاً بمال فأدّى بعض المال، وأراد إخراج بعض الرّهن أنّ ذلك ليس له، ولا يخرج شيء حتّى يوفيه آخر حقّه أو يبرئه من ذلك، كذلك قال مالك، والثّوريّ، والشّافعيّ، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرّأي‏.‏ لأنّ الرّهن وثيقة بحقّ فلا يزول إلاّ بزوال جميعه كالضّمان والشّهادة‏.‏ وكذلك إن تلف بعض الرّهن وبقي بعضه فباقيه رهن بجميع الحقّ‏.‏

وفي الموضوع تفصيل ينظر في باب ‏(‏الرّهن‏)‏‏.‏

التّبعيض في الصّلح‏:‏

29 - اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الصّلح، فالصّلح مبناه على التّبعيض إذا وقع على جنس المدّعي وكان أقلّ منه، وفي ذلك خلاف وتفصيل تبعاً لكون المدّعى عيناً أو ديناً ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلح‏)‏‏.‏

التّبعيض في الهبة‏:‏

30 - اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على جواز التّبعيض في الهبة مطلقاً، وهو المذهب عند الحنفيّة فيما لا يقبل القسمة، فتصحّ هبة المشاع عند الأئمّة الثّلاثة مطلقاً، وعند الحنفيّة تصحّ هبة المشاع الّذي لا يمكن قسمته إلاّ بضرر، بألاّ يبقى منتفعاً به بعد أن يقسم، كبيت وحمّام صغيرين‏.‏ وأمّا هبة المشاع الّذي يمكن قسمته بلا ضرر فلا تصحّ هبته مشاعاً، ولو كان لشريكه، وذلك لعدم تصوّر القبض الكامل‏.‏ وقيل‏:‏ يجوز لشريكه، وهو المختار عندهم‏.‏ وإن وهب واحد لاثنين شيئاً ممّا ينقسم يجوز عند الحنابلة، وأبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة، وهو وجه للشّافعيّة أيضاً‏.‏

وذهب الإمام أبو حنيفة، وهو وجه آخر للشّافعيّة إلى عدم جوازه‏.‏

وفي الموضوع فروعات كثيرة تفصيلها في باب الهبة من كتب الفقه‏.‏

التّبعيض في الوديعة‏:‏

31 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض في الوديعة بإنفاق بعضها أو استهلاكه موجب للضّمان‏.‏ واختلفوا في أخذ بعض الوديعة، ثمّ ردّها أو ردّ مثلها‏.‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ من استودع شيئاً فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذه، فإن ردّه أو مثله لم يزل الضّمان عنه‏.‏ وقال مالك‏:‏ لا ضمان عليه إذا ردّه أو مثله‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن لم ينفق ما أخذه وردّه لم يضمن،وإن أنفقه ثمّ ردّه أو مثله ضمن‏.‏

التّبعيض في الوقف‏:‏

32 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في ظاهر المذهب، وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز التّبعيض في الوقف، سواء فيما يقبل القسمة أو لا يقبلها، فيجوز وقف المشاع كنصف دار‏.‏ وذهب محمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى عدم جواز وقف المشاع إذا كان ممّا يقبل القسمة، وبناه على أصله في أنّ القبض شرط، وهو لا يصحّ في المشاع‏.‏

وأمّا ما لا يقبلها كالحمّام والرّحى، فيجوز وقفه مشاعاً عنده أيضاً، إلاّ في المسجد والمقبرة، لأنّ بقاء الشّركة يمنع الخلوص للّه تعالى‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في باب ‏(‏الوقف‏)‏‏.‏

التّبعيض في الغصب‏:‏

33 - يرتّب الفقهاء على تبعيض المال المغصوب بتلف بعضه أو تعييبه أحكاماً مختلفةً‏:‏ فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الجزء الغائب مضمون بقسطه من أقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم التّلف، والنّقص الحاصل بتفاوت السّعر في الباقي المردود غير مضمون عند الشّافعيّة، وهو المذهب عند الحنابلة فيما لا ينقصه التّبعيض، وأمّا فيما ينقصه - كأن يكون ثوباً ينقصه القطع - فإنّه يلزمه أرش النّقص‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن تعيّب المال المغصوب باستهلاك بعضه كقطع يد الشّاة خيّر المالك بين ترك المغصوب للغاصب وأخذ قيمته، وبين أن يأخذ المغصوب ويضمّنه النّقصان‏.‏ بخلاف قطع طرف دابّة غير مأكولة إذا اختار ربّها أخذها، لا يضمّنه شيئاً، وإلاّ غرّمه كمال القيمة، لأنّه فوّت جميع منافعها فصار كما لو قتلها‏.‏

وأمّا المالكيّة فقد فصّلوا الكلام في وجوب الضّمان في الجناية على بعض السّلعة المغصوبة‏:‏ فالتّعدّي على بعض السّلعة المغصوبة إن فوّت المغصوب يضمن جميعه، كقطع ذنب دابّة ذي هيبة، أو أذنها، وكذا مركوب كلّ من يعلم أنّ مثله لا يركب مثل ذلك، ولا فرق بين المركوب والملبوس، كقلنسوة القاضي وطيلسانه، وإن لم يفوّته فإن كان التّعدّي يسيراً، ولم يبطل الغرض منه لم يضمن بذلك، وكذلك إذا كان التّعدّي كثيراً، ولم يبطل الغرض المقصود منه، فإنّ حكمه حكم اليسير‏.‏

وينظر تفصيل الكلام في هذا الموضوع في باب ‏(‏الغصب‏)‏‏.‏

التّبعيض في القصاص‏:‏

34 - اتّفق الفقهاء على أنّ القصاص ممّا لا يتبعّض بالتّبعيض، ثمّ اختلفوا في التّفاصيل‏:‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ مستحقّ القصاص إذا عفا عن بعض القاتل كان عفواً عن كلّه، وكذا إذا عفا بعض الأولياء، صحّ العفو، وسقط القصاص كلّه، ولم يبق لأحد إليه سبيل‏.‏ وإليه ذهب عطاء والنّخعيّ، والحكم، وحمّاد، والثّوريّ، وروي معنى ذلك عن عمر وطاوس والشّعبيّ‏.‏

لما روى زيد بن وهب أنّ عمر أتي برجل قتل قتيلاً، فجاء ورثة المقتول ليقتلوه، فقالت امرأة المقتول، وهي أخت القاتل‏:‏ قد عفوت عن حقّي، فقال عمر‏:‏ ‏"‏ اللّه أكبر، عتق القتيل‏.‏ وفي رواية عن زيد قال‏:‏ دخل رجل على امرأته، فوجد عندها رجلاً فقتلها، فاستعدى إخوتها عمر، فقال بعض إخوتها‏:‏ قد تصدّقت‏.‏ فقضى لسائرهم بالدّية ‏"‏‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ عفو بعض الورثة لا يسقط القود، إلاّ أن يكون العافي مساوياً لمن بقي في الدّرجة أو أعلى منه، فإن كان أنزل درجةً لم يسقط القود بعفوه‏.‏ فإن انضاف إلى الدّرجة العليا الأنوثة كالبنات مع الأب أو الجدّ، فلا عفو إلاّ باجتماع الجميع، فإن انفرد الأبوان فلا حقّ للأمّ في عفو ولا قتل‏.‏

وذهب بعض أهل المدينة، وقيل‏:‏ هو رواية عن مالك إلى أنّ القصاص لا يسقط بعفو بعض الشّركاء، لأنّ النّفس قد تؤخذ ببعض النّفس بدليل قتل الجماعة بالواحد‏.‏

التّبعيض في العفو عن القذف‏:‏

35 - اختلف الفقهاء في جوازه‏:‏ فذهب الشّافعيّة في الأصحّ، وهو المذهب عند الحنابلة، والمتبادر من أقوال المالكيّة ‏(‏ما لم يبلغ الإمام‏)‏ إلى عدم جواز التّبعيض في حدّ القذف، فإذا عفا بعض الورثة، أو بعض مستحقّي حدّ القذف يكون لمن بقي استيفاء جميعه لأنّ المعرّة عنه لم تزل بعفو صاحبه، وليس للعافي الطّلب به، لأنّه قد أسقط حقّه‏.‏ وكذلك بالعفو عن بعضه لا يسقط شيء منه‏.‏

ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة جواز التّبعيض، ووجهه أنّ حدّ القذف جلدات معروفة العدد، ولا ريب أنّ الشّخص لو عفا بعد جلد بعضها، سقط ما بقي منها، فكذلك إذا أسقط منها في الابتداء قدراً معلوماً، وعلى هذا لو عفا بعض مستحقّي حدّ القذف عن حقّه يسقط نصيب العافي، ويستوفى الباقي، لأنّه متوزّع‏.‏ وهناك وجه ثالث للشّافعيّة‏:‏ أن يسقط جميع الحدّ كالقصاص‏.‏ وأمّا الحنفيّة فلا يتأتّى عندهم هذا، لأنّ الغالب في حدّ القذف عندهم حقّ اللّه، فلا يسقط كلّه ولا بعضه بالعفو بعد ثبوته، وكذا إذا عفا قبل الرّفع إلى القاضي‏.‏

تبعيض الصّداق‏:‏

36 - اتّفق الفقهاء على جواز أن يكون بعض الصّداق معجّلاً وبعضه مؤجّلاً، لأنّه عوض في عقد معاوضة، فجاز ذلك فيه كالثّمن‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏أجل، مهر‏)‏‏.‏

وأمّا تنصيف الصّداق بالطّلاق قبل الدّخول والخلوة، وكيفيّة ذلك ففيه أوجه وتفصيل يذكر في مواطنه، وانظر مصطلح ‏(‏مهر‏)‏‏.‏

التّبعيض في الطّلاق‏:‏

37 - اتّفق الفقهاء على أنّ الطّلاق لا يتبعّض، وإليه ذهب الشّعبيّ والحارث العكليّ، والزّهريّ، وقتادة، وأبو عبيد، وأهل الحجاز، والثّوريّ، وأهل العراق، وذلك لأنّ ذكر بعض ما لا يتبعّض ذكر لجميعه، فذكر بعض الطّلاق كذكر كلّه، وجزء الطّلقة ولو من ألف جزء تطليقة‏.‏ وهذا الحكم ثابت سواء أبهم‏:‏ بأن قال‏:‏ أنت طالق بعض طلقة‏.‏ أو بيّن فقال‏:‏ أنت طالق نصف طلقة، أو ربع طلقة، وهكذا، لأنّ ذكر ما لا يتبعّض ذكر لجميعه‏.‏

التّبعيض في المطلّقة‏:‏

38 - إذا أضاف الطّلاق إلى جزء منها‏:‏ سواء أضافه إلى بعضها شائعاً وأبهم فقال‏:‏ بعضك وجزؤك طالق‏.‏ أو نصّ على جزء معلوم كالنّصف والرّبع، أو أضافه إلى عضو‏:‏ باطناً كان كالكبد والقلب، أو ظاهراً كاليد والرّجل، طلقت كلّها عند الأئمّة الثّلاثة وزفر من الحنفيّة‏.‏ وأمّا الحنفيّة - ما عدا زفر - ففرّقوا بين إضافة الطّلاق إلى جملتها، أو إلى ما يعبّر به عنها كالرّقبة، أو العنق أو الرّوح، أو البدن أو الجسد، أو إلى جزء شائع كنصفها أو ثلثها، وبين إضافته إلى ما يعبّر به عن الجملة كاليد والرّجل حيث تطلق في الحالة الأولى دون الثّانية‏.‏ والتّبعيض في الطّلاق من فروع قاعدة ‏"‏ ما لا يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه، وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه ‏"‏‏.‏

التّبعيض في الوصيّة‏:‏

39 - اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الوصيّة، إذا كانت الوصيّة بجزء شائع‏.‏ كمن أوصى بجزء أو سهم من ماله، فالبيان إلى الورثة يقال لهم‏:‏ أعطوه شيئاً، لأنّه مجهول يتناول القليل والكثير، والوصيّة لا تمتنع بالجهالة ومثله الحظّ، والشّقص، والنّصيب، والبعض ‏(‏لأنّ الوصيّة حقيقتها تصرّف المالك في جزء من حقوقه‏)‏‏.‏

كذلك إن كانت الوصيّة بجزء معيّن‏:‏ كمن أوصى بقطنه لرجل، وبحبّه لآخر، أو أوصى بلحم شاة معيّنة لرجل وبجلدها لآخر، أو أوصى بحنطة في سنبلها لرجل، وبالتّبن لآخر‏.‏ جازت الوصيّة لهما، وعلى الموصى لهما أن يدوسا الحبّ، أو يسلخا الشّاة، أو يحلجا القطن‏.‏ ولو بانت الشّاة حيّةً فأجرة الذّبح على صاحب اللّحم خاصّةً، لأنّ التّذكية لأجل اللّحم لا الجلد‏.‏

وفي المغني‏:‏ إذا أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصّه صحّ، وليس لواحد منهما الانتفاع به إلاّ بإذن صاحبه، وأيّهما طلب قلع الفصّ من الخاتم أجيب إليه، وأجبر الآخر عليه‏.‏

التّبعيض في العتق‏:‏

40 - من أعتق عبداً مملوكاً، فإمّا أن يكون باقيه له أو لغيره‏:‏

ففي الحالة الأولى‏:‏ ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ الإعتاق لا يتجزّأ ولا يتبعّض بالتّبعيض، لأنّ من خصائصه السّراية، فمن أعتق بعض مملوك له، فإنّه يسري العتق إلى باقيه‏.‏

وكذلك من أعتق جزءاً معيّناً كرأسه أو ظهره أو بطنه، أو جزءاً مشاعاً كنصفه، أو جزءاً من ألف جزء، عتق الرّقيق كلّه‏.‏ وذهب أبو حنيفة إلى أنّ الإعتاق يتجزّأ، سواء كان باقيه له، أو كان مشتركاً بينه وبين غيره، وسواء كان المعتق معسراً أو موسراً‏.‏

41 - وفي الحالة الثّانية‏:‏ وهي ما إذا كان العبد مشتركاً، وأعتق أحد الشّريكين حصّته أو بعضها، فاختلف الفقهاء تبعاً لكون المعتق موسراً أو معسراً‏:‏

فروي عن ابن مسعود وعليّ وابن عبّاس رضي الله عنهم‏:‏ عتق ما عتق ويبقى الباقي رقيقاً‏.‏ وبه قال البتّيّ‏:‏ واستدلّ بما روى ابن التّلب عن أبيه «أنّ رجلاً أعتق نصيباً له في مملوك فلم يضمنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم»‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة، وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أنّ المعتق إن كان موسراً عتق كلّه، وعليه قيمة باقيه لشريكه، وإن كان معسراً عتق نصيبه فقط ولا يسري إلى باقيه ولو أيسر بعده‏.‏ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من أعتق شقصاً له من عبد أو شركاً، أو قال‏:‏ نصيباً، وكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق، وإلاّ فقد عتق منه ما عتق»‏.‏

وهذا قول إسحاق، وأبي عبيد وابن المنذر وابن جرير‏.‏

وذهب أبو يوسف ومحمّد، وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ليس للشّريك إلاّ الضّمان مع اليسار والسّعاية مع الإعسار، وهو قول ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والأوزاعيّ‏.‏ لما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أعتق شقيصاً له في عبد مملوك فعليه أن يعتقه كلّه إن كان له مال، وإلاّ استسعى العبد غير مشقوق عليه»‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان المعتق موسراً فشريكه بالخيار، إن شاء أعتق وإن شاء ضمّن المعتق قيمة نصيبه، إذا لم يكن بإذنه، فإن كان بإذن الشّريك فلا ضمان عليه له، وإن شاء استسعى العبد‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ يعتق كلّه، وليس للشّريك إلاّ الضّمان، وهو منقول عن زفر وبشر المريسيّ‏.‏